مقالات
Commentary

Read this in English

الإيدز: اتجاهات منذرة في العالم العربي

نشرت بتاريخ 2 فبراير 2016

حالات العدوى بفيروس العوز المناعي البشري والإيدز تتزايد بحدّة في الشرق الأوسط وشمال أفريقيا.

نافيد مدني

© PhotoDisc/Getty Images

في اليوم العالمي للإيدز تبرز الشرائط الحمراء على الياقات، والأثواب، والقمصان، ومعاطف المختبرات وأغطية الرأس، كرموز قوية للتضامن مع المتأثرين بفيروس العوز المناعي البشري والمتعايشين مع الإيدز.

وسائل التذكير المرئية هذه أساسية لدعم المجتمعات المتضررة، إلى جانب الجهود الحثيثة من المنظمات التي تعمل بجديّة للقضاء على المرض، سواء عن طريق الأبحاث أو برامج الصحة العامة أو التوعية المجتمعية، والنشاط الاجتماعي أو المبادرات السياسية الحكومية، ولكن لا يزال ينقصها الكثير.

فيروس العوز المناعي البشري هو أكثر الفيروسات الناشئة بحثًا، ولكن ما من علاج له حتى الآن.

ولكن الفاشية توقفت عن التزايد أو تراجعت في مناطق كثيرة من العالم اليوم، بما في ذلك جنوب الصحراء الكبرى في أفريقيا، أما في الشرق الأوسط، ففيروس العوز المناعي البشري وباء آخذ بالانتشار.

في تناقض ملحوظ مع بقية العالم، تشير التقارير الأخيرة من قِبَل برنامج الأمم المتحدة المشترك لفيروس نقص المناعة البشرية/ الإيدز ومنظمة الصحة العالمية (WHO) إلى أن منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا (MENA) المنطقة تشهد ارتفاعًا في حالات العدوى.

في عام 2014 قُدِّر أن إجمالي عدد البالغين والأطفال في المنطقة الذين يعيشون مع فيروس العوز المناعي البشري يبلغ 270,000، مع ما يقرب من 34000 إصابة جديدة، ومتوسط وفيات ​​قدره 16500 حالة سنويًّا. وتشير هذه الأرقام إلى أن المعدل العام للإصابة بفيروس العوز المناعي البشري قد زاد بنحو 79٪ منذ عام 2001 وحتى عام 2010. وقد ازداد معدل الوفيات الناجمة عن الإيدز بنسبة 176٪ في المنطقة– ومع ذلك فإن عدة بلدان لم تضع بعد الخطط الاستراتيجية الوطنية الخاصة بها.

السبب الرئيسي لهذا الارتفاع محبِط لبساطته: الوصمة الملازمة لفيروس العوز المناعي البشري.

فيروس العوز المناعي البشري: الوصمة والإنكار

تمنع الوصمة الناس من معرفة حالة إصابتهم بفيروس العوز المناعي البشري. وتمنع المرضى من طلب علاج مبكر فعال لهذا المرض. فهي تعطّل المناقشة والمشاركة المجتمعية الأساسية للمعلومات التوعوية، وخاصة بين جيل الشباب.

وتتعرض النساء خصوصًا للتمييز بشدة عندما يتعلق الأمر بعلاج فيروس العوز المناعي البشري. 

لم تعالج منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا موضوع الوصمة المرتبطة بفيروس العوز المناعي البشري معالجة كافية. إلا أن الناس في المنطقة، وخاصة المجموعة الكبرى من الشباب والمراهقين، يجب أن يتم دعمها عن طريق التعليم لكي تكون قادرة على تفادي هذا المرض.

كما أن ديناميات الوباء نفسها لم تُعالَج بما يكفي. من الناحية النظرية، تدين المعتقدات الدينية الإسلامية والمسيحية استخدام المخدّرات المحرَّمة والكحول، وتحظّر العلاقات الجنسية خارج إطار الزواج، ولكن الواقع هو أن الأسباب الرئيسية لانتشار الوباء في منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا هي استخدام المخدّرات عن طريق الحقن، والدعارة.

وقلّة هي التي تتحدث عن هذه المفارقة على الملأ.

العوامل الاجتماعية والثقافية التي تحدد معايير الجنسين تؤثر أيضًا على طرق انتقال الأمراض المنقولة جنسيًّا، ومن ضمنها فيروس العوز المناعي البشري.وتُعَد الوصمة والتمييز أسبابًا رئيسية لخيارات العلاج غير الكافي للأشخاص المصابين بعدوى فيروس العوز المناعي البشري، أو المشخَّصة إصابتهم بمرض الإيدز.

تتعرض النساء -على وجه الخصوص- للتمييز بشدة عندما يتعلق الأمر بإتاحة حصولهن على اختبار فيروس العوز المناعي البشري وعلاجه.

في بعض الأماكن، لا يُسمح للنساء بزيارة مراكز الفحص والمشورة.

لهذه الأسباب لا تعرف كثير من النساء وضعها الخاص بالنسبة لفيروس العوز المناعي البشري، ومن غير المرجح أيضًا أن يعرفن وضع أزواجهن. وهكذا، يزداد الانتقال بين الزوج وزوجته؛ وتناقصت نسبة الذكور إلى الإناث في حالات العدوى الجديدة لإصابة البالغين بفيروس العوز المناعي البشري، من أنثى واحدة مقابل ثمانية ذكور مشخَّصة إصابتهم، إلى أنثى واحدة مقابل ثلاثة ذكور في السنوات العشر الماضية.

العديد من بلدان المنطقة إما تتجاهل الرجال الذين يمارسون الجنس مع الرجال (MSM) أو لا تتحملهم على الإطلاق. هذه الدول تفرض التدابير القانونية -التي غالبًا ما تشمل العقوبة القاسية والسجن- للممارسات الجنسية المثلية. وبطبيعة الحال، فإن تدابير كهذه تمنع حصول هؤلاء الرجال على الخدمات المتعلقة بفيروس العوز المناعي البشري.

الربيع العربي يعطل علاج فيروس العوز المناعي البشري

لقد كانت السنوات الخمس الماضية فترة شديدة الاضطراب بالنسبة للمنطقة. أثار الربيع العربي الذي بدأ في عام 2011 سلسلة من الأحداث ذات التأثير الكبير على مسار وباء فيروس العوز المناعي البشري.

ولا يزال انتشار الوباء يتزايد بين متعاطي المخدرات عن طريق الحقن الوريدي في مصر والمغرب.

وقد أدت الصراعات العديدة في منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا إما إلى النزوح الداخلي لعدد كبير من الناس، أو إلى طلب اللجوء للدول المجاورة. وتعطّلت النظم الصحية، واضطر كثير من المتعايشين مع فيروس العوز المناعي البشري إلى إيقاف العلاج، في حين تواجه الأقليات المعرضة للإصابة درجات أعلى من الوصمة والعنف.

وتواجه البنى التحتية للرعاية الصحية تحديات أخرى تعوق الجهود الرامية إلى التعجُّل بالتوسع في حجم علاج فيروس العوز المناعي البشري. فبرامج نشر المعلومات المتعلقة بفيروس العوز المناعي البشري ضعيفة في كثير من البلدان. لا تزال القدرات المختبرية ناقصة، لذا فالاختبارات مكلفة وغير مجدية.

لذا، لا تزال هناك حاجة لجهود مركّزة من أجل تعزيز الاستجابة الصحية العامة القائمة في كل بلد تجاه فاشيات فيروس العوز المناعي البشري.

ويمكن أن يحدث هذا عن طريق نهج ذي شقين: أولهما يختص بالتعليم الصحي، الذي يمكن أن يستهدف المحرّمات المضللة والوصمة، إضافة إلى النهج الكيميائي الحيوي، الذي ينطوي على التحري المختبري المعزّز لكشف الحمل الفيروسي وزيادة الفحص.

ويبدو واضحًا أن هناك حاجة إلى جهود تعليمية قوية لمحاربة الوصمة؛ لوقف مدّ الإصابة بعدوى فيروس العوز المناعي البشري. من بعض الأمثلة:

  1. تُظهر الدراسات الوبائية في الإقليم أن حالات فيروس العوز المناعي البشري تتزايد بسرعة أكبر بين النساء والأطفال؛ لأن العلاقات متغايرة الجنس وفترة ما حول الولادة أصبحت أكثر نقاط انتقال العدوى شيوعًا. إن إزالة العوائق المانعة لفحص النساء وعلاجهن وتقديم الرعاية الطبية لهن هي الخطوة الأساسية الأولى.
  2. لا يزال انتشار الوباء بين متعاطي المخدرات عن طريق الحقن في حالة تصاعد في مصر والمغرب. وقد ذُكر وجود أدلة عن تركز الأوبئة بين الرجال المثليين في مصر (5.7٪)، وتونس (5٪)، والمغرب (5.6٪). وقد يكون لتثقيف الجمهور حول الحاجة إلى استخدام الإبر المعقمة وإتاحة حصولهم على اختبار فيروس العوز المناعي البشري وعلاجه تأثير كبير على انتشار الفيروس عن طريق تعاطي المخدرات.
  3. كما لوحظ أيضًا وجود دليل على الانتشار المرعب لفيروس العوز المناعي البشري بين العاملات بالجنس في مصر (2-3٪) والمغرب (2٪). لا بيانات من قطر أو الأردن، ولكن العمال المهاجرين الذين ينقلون الفيروس إلى زوجاتهم يشكلون مصدرًا كبيرًا للقلق، وتثير القوى الإقليمية المخاوف بشأن الأوبئة الناشئة بين المجموعات المعرضة للخطر في هذه البلدان أيضًا. إن التوعية العامة، وللعاملين في مجال الجنس على وجه الخصوص، حول استخدام الواقي الذكري وممارسات الجنس الآمن توفر فرصة للحد من هذه الآثار.

وعلى الرغم من الاتجاهات السائدة، هناك بعض الأخبار الإيجابية قادمة من بلدان مختلفة.

على سبيل المثال، توجد المغرب في وضع ممتاز لعكس سير المرض، مع عواقب إيجابية على المنطقة بأسرها. ففي السنوات الأخيرة تمكنت حركة المجتمع المدني في معالجة السلوكيات الخطرة المتعلقة بفيروس العوز المناعي البشري في البلاد من قطع خطوات واسعة للحدّ من الأضرار.

ومع ذلك، لا يزال ثمة كثير من العمل يتعين القيام به: على الرغم من زيادة توافر أدوات اختبار فيروس العوز المناعي البشري والأدوية المضادة للفيروسات القهقرية في المغرب، إلا أن هناك فجوة كبيرة بين الأرقام المعروفة والتقديرية للأفراد المتعايشين مع فيروس العوز المناعي البشري، مع كون قرابة 72٪ منهم لا يعرفون- وبالتالي هم غير خاضعين للمعالجة.

يمثل الشريط الأحمر تعبيرًا عن التعاطف مع المتعايشين مع فيروس العوز المناعي البشري والمتأثرين به.

وفي الأول من ديسمبر من كل عام، يجب أن يمثل أيضًا استمرارًا لجهودنا نحو إيجاد تدابير وقائية أفضل، وإشراك اللقاح ومضاد الفيروسات الذي من شأنه أن ينقلنا باتجاه شفاء محتمل لفيروس العوز المناعي البشري. فلندع الرمز يلهمنا ويذكّرنا بأننا في حاجة إلى توعية مجتمعات الشرق الأوسط وشمال أفريقيا، وتعليم شبابنا، وإطْلاع قادتنا الدينيين والسياسيين، وانتخاب صانعي السياسات والقادة، على المستويين الوطني والدولي، ملتزمين بتحسين شؤون الصحة والتعليم من أجل مكافحة هذا الوباء الرهيب.

مدني واحدة من كبار العلماء في قسم مناعيات وفيروسيات السرطان في معهد دانا فاربر للسرطان وقسم الصحة العالمية والطب الاجتماعي في كلية الطب في جامعة هارفرد.

doi:10.1038/nmiddleeast.2016.7