من واقع 50 ألف فحص دماغي: إليك خمسة أنماط لشيخوخة الدماغ
03 October 2024
نشرت بتاريخ 30 سبتمبر 2016
مع انغماسنا في سديم من الأضواء الاصطناعية ليلًا، لا نفتقر إلى القدرة على تأمل النجوم فحسب، بل تتعرض صحتنا وبيئتنا للمعاناة أيضًا.
أصبح الشفق الدائم حقيقة ليلية بالنسبة لمعظم الناس في الشرق الأوسط، وأصبح الليل وجمال بريق نجومه غير مرئي بفعل توهج الإنارة الاصطناعية التي نعتمدها لإبعاد الظلام.
يجسّد الأطلس العالمي الجديد لتوهج وبريق السماء الاصطناعي ليلًا، الذي نُشر يونيو الماضي في Science Advances، مدى انغماسنا في الضوء. وهو يشير إلى أن الكويت وقطر والإمارات العربية المتحدة والمملكة العربية السعودية هي أكثر الأماكن التي يمكن العيش فيها على هذا الكوكب تلوّثًا ضوئيًّا، وتسبقها في ذلك سنغافورة فقط. أكثر من نصف الأشخاص الذين يعيشون في إسرائيل وليبيا يعيشون ليالي شديدة الإنارة، وتمتد منطقة الشفق الأكثر تواصلًا وطولًا في العالم على طول دلتا النيل في مصر.
لم يعد الناس في الكويت وقطر يستطيعون رؤية الحزمة المضيئة من مجرة درب التبانة من منازلهم. وينطبق هذا أيضًا على أكثر من 97 في المئة من الناس في دولة الإمارات العربية المتحدة، وإسرائيل، ومصر.
"سماء الليل هي بداية حضارتنا. فلقد أرشدتنا إلى جميع الأديان والفلسفة والعلوم والآداب والفنون. إن الأهمية الثقافية للسماء الملأى بالنجوم كبيرة جدًّا. لقد فقدت الأجيال الجديدة مصدر الإلهام هذا"، وفق قول فابيو فالتشي، من معهد فابيو فالتشي الإيطالي لعلوم وتكنولوجيا التلوث الضوئي، الذي قاد الدراسة.
"اعتاد الناس على القول إننا نعيش تحت سماء عربية؛ لأن أسماء العديد من النجوم عربية الأصل. الآن، يحُول التلوث الضوئي دون إعطاء الناس فرصة لرؤية السماء ليلًا كالتي تمتع أجدادنا برؤيتها فيما مضى"، وفق قول علاء إبراهيم، أستاذ الفيزياء الفلكية ومدير المرصد، في مدينة زويل للعلوم والتكنولوجيا في مصر، الذي يلحّ على طلابه للذهاب إلى الصحراء لرؤية سماء الليل.
أكثر من فقدان التواصل مع الكون، يخشى العلماء من أن التعرض المفرط للضوء الاصطناعي قد يؤثر على صحة البشر والبيئة أيضًا.
"إذا كنا نغيّر ظروف الظلمة بشكل اصطناعي، فإننا نسبب إرباكًا لساعتنا البيولوجية وجميع خلايا جسمنا عن طريق تقليل إنتاج الميلاتونين"، وفقًا لقول إبراهيم حاييم، من المركز الإسرائيلي للبحوث متعددة التخصصات في علم البيولوجيا الزمني، جامعة حيفا.
الميلاتونين مهم لأداء وظيفي مناسب في كل من التمثيل الغذائي، والتنظيم الحراري، وأجهزة المناعة، والتناسل، وغيرها من أجهزة الجسم. ويشكل تعطيل وظيفة الساعة البيولوجية مخاطر متزايدة للإصابة بسرطان الثدي وسرطان البروستات، والسمنة ومرض السكري، وفق ما تظهر بحوث حاييم.
الصمامات الثنائية (الدايودات) الباعثة للضوء قصير الموجات الموفّرة للطاقة (مصابيح LED)، والتي يتزايد استخدامها في الأماكن العامة والمنازل الخاصة، هي الأسوأ من بين كل الأضواء. فالضوء قصير الموجات يبدو في الظروف الطبيعية في النهار، واستخدامه في الليل -كما يقول حاييم- خطر.
"يمكننا أن نثبت بشكل جليّ أن الضوء الاصطناعي في الليل الصادر عن إنارة قصيرة الموجات يثبّط إنتاج الميلاتونين. إنه يسبب انخفاضًا في مجمل مَثْيَلة الحمض النووي، والنتيجة هي تكاثر الخلايا الورمية".
هذا هو القلق إزاء الآثار الضارة للمصابيح ثنائية الصمامات التي اعتمدت لمواجهتها الجمعية الطبية الأمريكية (AMA) في الشهر الماضي توصيات رسمية للمجتمعات المحلية في الولايات المتحدة بتعمية هذا النوع من أضواء الشوارع. المصابيح البيضاء، كما جاء في بيانها، لها تأثير على إيقاع النوم اليومي يصل إلى خمسة أضعاف تأثير مصابيح الشوارع التقليدية. كما أظهرت استطلاعات كبيرة في الولايات المتحدة أن إنارة المناطق السكنية ليلًا بأضواء أكثر إشراقًا يرتبط بتناقص أوقات النوم، وعدم الرضا عن نوعية النوم، والنعاس المفرط، وضعف الأداء الوظيفي نهارًا، والسمنة.
التلوث الضوئي، استنادًا إلى فالتشي، هو نتيجة الاعتقاد بأن الضوء الاصطناعي يحسّن السلامة على الطرق، وينقص معدّل الجريمة. ويتزايد قول الباحثين إن هناك القليل من الأدلة على ذلك.
في الواقع، تُظهر دراسات من المملكة المتحدة أن المهاجم سيستفيد من الضوء لتحديد ضحيته، وفق قول حاييم.
وتشير الأدلة المستقاة من ألمانيا إلى أن أعمدة الانارة على الطرق تسبب زيادة قائمة المخاطر، وفق قول فالتشي.
وتَلحظ الجمعية الطبية الأمريكية أن الإشباع المفرط للأضواء عالية الشدة على الطرق يزيد من درجة التوهج، ويقلل من حدة البصر.
وعلاوة على ذلك، هناك تساؤل حول الطريقة التي تؤثر بها الإنارة الاصطناعية على الحياة غير البشرية على الأرض.
"قد لا تتحقق شروط الظلمة التي تتطلبها بعض الأنواع على الإطلاق، وبالتالي فقد لا تتمكن -ببساطة- من البقاء"، كما يقول ترافيس لونجور، الأستاذ المساعد في جامعة كاليفورنيا، معهد لوس أنجلوس للبيئة والاستدامة، ومدير العلوم في مجموعة الأراضي البرية الحضرية.
الضوء يرشد التوجّه بالنسبة للعديد من الأنواع. كما يحدّد أيضًا البيئة المغذّية، ويؤثر على العلاقة بين الحيوانات المفترسة وفرائسها.
تكتسب اعتبارات كهذه أهمية خاصة في البيئة الصحراوية، حيث توجد نسبة أكبر من الأنواع الليلية المتكيفة مع الظلام، مع حساسية أكبر تجاه التغيرات الصغيرة في الضوء، مثل عناكب الصحراء. أما النظم الإيكولوجية التي تعتمد على دورات القمر لمزامنة الأنشطة الإنجابية، مثل الشعاب المرجانية، فستضمحل في ظروف الإضاءة التي تحاكي ضوء القمر، وفقًا لقول لونجور.
في الشرق الأوسط، تُعَد الخطوة الأولى نحو الحدّ من التلوث الضوئي هي مراقبة استخدام الضوء.
"نحن بحاجة إلى معرفة عتبات الشدة الضوئية التي يتعيَّن علينا عدم تجاوزها، ورفع الأضواء قصيرة الموجة من الأماكن العامة"، وفقًا لقول حاييم، الذي يتابع: "يجب أن يكون هناك مزيد من القواعد الناظمة لطريقة تعاملنا مع الضوء. أضواء الشوارع، ونوافذ المحلات التجارية واللوحات الإعلانية، يجب إيقافها في ساعة معينة من الليل، أو تخفيفها على الأقل".
التغير التكنولوجي -وفق قول فالتشي- يعني أن مستويات الإنارة بالمصابيح ثنائية الصمامات يمكن خفضها ورفعها إلى القوة القصوى فورًا. والأكثر من ذلك، فقد جُرِّبت بنجاح طرق بسيطة لإنارة الضوء فقط عند الحاجة إليه واخْتُبرت في إيطاليا. "وقد نجحت"، كما يقول.
"إن إطفاء الأنوار عادة جيدة وحسب"، وفق قول إبراهيم، "فبجهد قليل جدًّا يمكن أن تكون عظيم التأثير".
doi:10.1038/nmiddleeast.2016.170
تواصل معنا: