رحلة باحثة بين محطات حقل دراسة التكاثفات
04 December 2024
نشرت بتاريخ 7 أغسطس 2015
مع افتتاح قناة السويس الجديدة الموسّعة أمس الأول بكثير من الجلبة، يحذّر علماء الأحياء من هجرة جماعية لأسماك البحر الأحمر إلى النظام البيئي الهش للبحر المتوسط.
كانت قناة السويس الأصلية التي افتُتحت عام 1869 إنجازًا هندسيًّا مذهلاً، اختصر الطرق البحرية بين أوروبا وآسيا بحوالي 9,000 كيلومتر. لكن الطريق التجارية الجديدة، والتي افتُتحت رسميًّا أمس الأول (6 أغسطس)، ستسمح بعبور أسهل لأنواع غير مرغوب فيها أيضًا من أحياء البحر الأحمر، وفق ما يقول العلماء.
لمدة 80 عامًا بعد بناء القناة، أسهم ارتفاع نسبة الملوحة في البحيرات المرّة وبحيرة التمساح، إلى جانب تدفّق المياه العذبة من نهر النيل إلى البحر المتوسط، في منع أنواع الأحياء الموجودة في البحر الأحمر من الاجتياح؛ فالفرق في درجة الملوحة بين المياه العسرة والعذبة يشكّل حاجزًا طبيعيًّا. ومع بناء السد العالي، غُمِر مصب الدلتا بالمياه العذبة، مما سبب تآكل الحاجز الطبيعي.
تعيش أنواع أحياء البحر الأحمر في واحدة من أكثر البيئات البحرية إجهادًا؛ نظرًا لملوحة المياه التي تصل إلى 39 جزءًا من ألف، مقارنة بـ30 جزءًا من ألف في البحر المتوسط، وترتفع حرارة الماء بشكل أسرع من أي مكان على هذا الكوكب، وفقًا لدراسة1 أُجريت في جامعة الملك عبد الله للعلوم والتقنية عام 2011.
وقد أدت هذه الظروف شديدة القسوة، والمنافسة الشرسة بين أنواع الأحياء على الموارد الغذائية إلى تطور قدرات تكيُّفية غير اعتيادية لدى أنواع أحياء البحر الأحمر، مما يجعلها منافِسة هائلة لنظيراتها في البحر المتوسط.
وقد تفوقت بعض الأنواع الغازية الناجحة على الأنواع المتوطنة بشدة عند منافستها على الموارد في بعض المناطق، مسببةً تشريدها من موطنها الطبيعي. وانتشر أكثرُها قوةً عبر البحر المتوسط بكامله، مغيِّرًا التوازن البيئي البحري بشكل كبير.
وعلى الرغم من تفاوت الأرقام، يتفق خبراء البحار عمومًا على أن نحو 90 نوعًا من أسماك البحر الأحمر قد غزت البحر المتوسط بنجاح وتكيفت مع موائله، متنافسة مع ما يقرب من 500 نوع من أسماك الشعاب المرجانية الأصلية.
يخلق التوسع واحدًا من أقوى ممرات غزو الأنواع البحرية في العالم.
وقد بدّل نوعان من سمك الأرنب (القراض) قادمان من البحر الأحمر، هما Siganus luridus وSiganus rivulatus مجمل قاعدة السلسلة الغذائية في شرق المتوسط خلال مدة قصيرة جدًّا، مما تسبب في جعل تجمعات الطحالب المحلية في السواحل الصخرية شرق المتوسطية -التي كانت جيدة التطور- جرداء.
يبيِّن جياكومو برناردي -أستاذ علم البيئة وعلم الأحياء التطوري في جامعة كاليفورنيا، سانتا كروز- أن القراض قد التهم كل الطحالب، مسببًا تشريد نوعين من الأسماك المتوطنة العاشبة: البريم (أبراميس) وسمك الببغاء، بالإضافة إلى قنافذ البحر، التي تتغذى على النباتات.
ويوضِّح برناردي قائلاً: "في بعض المواقع أصبح من غير الممكن العثور على أيٍّ من هذين النوعين المتوسطيين الأصليين".
من بين نحو 700 نوع من الأنواع غير المتوطنة متعددة الخلايا المعروفة حاليًّا في البحر المتوسط، كان نصفها قد دخل عبر قناة السويس، وفق ما كتبت بيلا س. جليل، من المعهد الوطني لعلوم المحيطات في حيفا و17 مؤلفًا مشاركًا في الدورية الأكاديمية Biological Invasions في أبريل 2015. وفي بحثهم2 الذي يحمل عنوان "مشكلة مزدوجة"، عبّر علماء البحار عن قلقهم من عواقب توسيع ما أسموه "أحد أكثر ممرات غزو الأنواع البحرية قوة في العالم".
وهم يتوقعون عواقب وخيمة على التنوع البيولوجي وسلع وخدمات النظم الإيكولوجية للبحر المتوسط.
بعض الأنواع المهاجرة "ضارة، وسامة أو مزعافة، وتشكل تهديدًا حقيقيًّا لصحة الإنسان"، كما كتب الخبراء. فمثلاً سمكة الفهقة، وسمكة القراض الفضية Lagocephalus sceleratus، التي غزت مؤخرًا المنطقة الممتدة بين بلاد الشام وإيطاليا وتونس، تحتوي في أجهزتها على سمّ عصبي قوي يسبب الشلل، يمكنه إحداث ردود فعل تتراوح بين القيء، وتوقّف التنفس، والنوبات، والغيبوبة، والموت.
حيث إن البحيرات المرّة لم تعد تجمع ما يكفي من الملح من الأرض لكي توقف مرور الكائنات البحرية إلى البحر المتوسط، فقد وضعت الحكومة المصرية في اعتبارها وسائل وقائية أخرى. في تقييم للتأثير البيئي (EIA) لم يتم نشره، درست السلطات جدوى إنشاء "ستارة فقاعات"، حيث يجري ضخّ الهواء في أنابيب تمتد تحت الماء، وتتخللها ثقوب دقيقة لخلق دوّامات تردع الأسماك.
مصطفى فودة، المختص في علم الأحياء البحرية ومستشار وزير البيئة المصري، وهو المؤلف الرئيسي لتقييم التأثير البيئي EIA يقول: "لقد وضعنا ستارة الفقاعات في الاعتبار، كما نفّذت هيئة قناة السويس بعض النماذج باستخدام هذه الطريقة".
وقد أبلغ فودة نيتشر مِدِل إيست باستبعاد فكرة الحاجز المكهرب؛ "نظرًا لأن هذا الخيار لا يعمل إلا في أوساط المياه العذبة".
ويشرح أن 276 مليون متر مكعب من مياه الصرف الزراعي التي تُلقى سنويًّا في البحيرات المرّة قد أضعفت بشكل كبير مستويات الملوحة فيها، وجعلتها غير فعّالة كحواجز طبيعية. ويتابع قائلاً: إن المياه العادمة سيتم توجيهها إلى قنوات أخرى "في القريب العاجل".
لكن تشاد هيويت -أحد مؤلفي بحث "مشكلة مزدوجة"، والباحث في إيكولوجية نقل الأنواع المتواسط بشريًّا في جامعة وايكاتو في نيوزيلندا- يوضح أن القضية الحقيقية هي "ما إذا كنت ستتمكن من خلق فارقٍ كافٍ في درجة الملوحة بين الموقعين؛ لضمان كمية كافية من الضغط على الأسماك المهاجرة".
يعتقد برناردي أنه مهما كان الأسلوب الذي ستعتمده الحكومة لإحباط هجرة الأسماك، "فخلاصة القول هي أن القناة قد اتسعت، وأن المزيد من الأنواع المهاجرة سيصل إلى البحر المتوسط".
"أعتقد أن محاولة عمل أي شيء مضيعة للجهد والمال؛ لأنك عندما تعمل في المحيط تدرك حالة الفوضى وأن لا شيء يجدي"، وفق قوله. "[لكن] إذا كان عليك تغيير عامل واحد، فتغيير الملوحة هو الفكرة المُثلى".
doi:10.1038/nmiddleeast.2015.135
تواصل معنا: