مقالات
Interview

Read this in English

قصة أول مريض بمتلازمة الشرق الأوسط التنفسية

نشرت بتاريخ 10 يونيو 2014

كيف تمكّن مختبر صغير مُلْحق بمستشفى خاص في المملكة العربية السعودية من عزل وتحديد ما أصبح يعرف لاحقًا باسم الفيروس التاجي المسبب لمتلازمة الشرق الأوسط التنفسية؟

إسلام حسين

كان علي محمد زكي أول مَن تمكن من عزل الفيروس التاجى المسبب لمتلازمة الشرق الأوسط التنفسية.
كان علي محمد زكي أول مَن تمكن من عزل الفيروس التاجى المسبب لمتلازمة الشرق الأوسط التنفسية.
في حين يحاول كشف القصة غير المروية عن اكتشاف الفيروس التاجى المسبب لمتلازمة الشرق الأوسط التنفسية، ينظر إسلام حسين عالم الفيروسات في معهد ماساتشوستس للتكنولوجيا، إلى العمل الذي قام به عالم الفيروسات الآخر البارز، علي محمد زكي، الذي كان له الفضل في اكتشاف الفيروس التاجى المسبب لمتلازمة الشرق الأوسط التنفسية.

كان زكي قد شخّص إصابة "المريض رقم صفر" بالفيروس القاتل في مختبر سعودي لتشخيص الإصابات الفيروسية كان قد أُنشئ عام 1993. إلى جانب تشخيصه للفيروس التاجي، كان زكي قد شخّص حمى الضنك Dengue fever أيضًا لأول مرة في المملكة العربية السعودية عام 1994. وفي عام 1997، تمكّن من عزل فيروسة مُصَفِّرة جديدة flavivirus منقولة بالقراد، وتُعرف باسم فيروس الخُرمة، وتسبّب حمى نزفية حادة.

وهو يتحدث هنا إلى حسين عن تجربته مع الفيروس التاجي المسبب لمتلازمة الشرق الأوسط التنفسية، وكيف تعرّف عليه أول مرة، والسياسة العلمية التي جعلته يترك عمله في السعودية ويعود إلى مصر.

حدّثنا عن المختبر الذي جرى فيه تشخيص الفيروس التاجى المسبب لمتلازمة الشرق الأوسط التنفسية لأول مرة.

كان المختبر الذي أعمل فيه ملحقًا بمستشفى خاص في السعودية، يحمل اسم مؤسّسه السعودي الجنسية الذي تلقى تعليمه في مصر، الدكتور سليمان فقيه. وفي عام 1990، أُدخلت إلى المستشفى حالة مرض فيروسي قاتل يسمى حمى القرم- الكنغو النزفية، ولم يتم تشخيصها؛ نظرًا لعدم وجود مختبر لتشخيص الأمراض الفيروسية. أدرك الدكتور فقيه أهمية وجود مثل هذا المختبر، وعيّنني لإعداده. لقد قمت بتحويل ثلاث غرف فارغة في الطابق السادس إلى مختبر كامل التجهيز، ضمّ غرفة عقيمة لزراعة الخلايا، ووحدات للأمصال والبيولوجيا الجزيئية.

كيف كُشفت قصة الفيروس التاجي المسبب لمتلازمة الشرق الأوسط التنفسية؟

في 13 يونيو 2012، تم قبول المريض، الذي أصبح يعرف الآن باسم المريض رقم صفر، إلى المستشفى الذي أعمل به. كان يعاني أعراضًا تنفسية شديدة، ما لبثت أن تفاقمت لتتحول إلى التهاب رئوي حاد وفشل كلوي، وتوفي بعد 11 يومًا.

عندما كان المريض على قيد الحياة، دعيت من قبل اختصاصيَي الرئة والمسالك البولية اللذيْن كانا يعالجانه. جمعت عينات الدم والبلغم (وتصادف أن كانت عينة البلغم الخاصة بالمريض رقم صفر تحمل الرقم 38 من ترتيب العينات العادية الذي أتبعه، لذا سأشير إليها باعتبارها العينة رقم 38). كان لديّ مقايسة مناعية متألقة غير مباشرة تستخدم عينة البلغم كمستضد غير معروف، وهو ما يمكِّن من اختبارها بعدئذٍ مقابل فريق من الأجسام المضادة المعروفة المحرّضة من قبل مجموعة من الفيروسات الممرضة التنفسية الشائعة في الجهاز التنفسي. وكانت جميع النتائج سلبية مع العينة رقم 38.

بموجب القانون، كان يتعين عليَّ تقديم هذه العيّنة مع جميع نتائج الاختبارات إلى وزارة الصحة السعودية. وجاءت نتيجة اختبار تفاعل البوليميراز المتسلسل (PCR) سلبية بالنسبة للإنفلونزا (H1N1). 

كان لديَّ ما يشبه اليقين بأن هذه العينة كانت تحتوي على نوع من الفيروسات. 

أسفر تكرار تلقيح العيّنة رقم 38 في نوعين من الخلايا: Vero وLLC-MK2، باستمرار عن تأثيرات اعتلال خلوي  (CPE) نموذجية للتلف الخلوي المُحدَث بالفيروسات.

تحت المجهر، أظهرت الخلايا الملقّحة تشكيلات مخلاة، وهي عبارة عن خلايا كبيرة متعددة النوى تنتج عن التحام عدة خلايا مصابة بالعدوى الفيروسية. كان المريض قد توفي في ذلك الوقت، ولم يُبْدِ أحدٌ اهتمامًا بمتابعة البحث عن العامل المسبّب الغامض الذي أودى بحياة المريض رقم صفر. لم يرضَ فضولي العلمي، وقررت متابعة البحث منفردًا.

كيف حدث ذلك؟ متى تابعت الطريق ثانية؟ 

تمكنت تكرارًا من الحصول على نتيجة إيجابية لعموم الفيروسات التاجية، ولكن الإصابة لم تكن السارس. وكان هذا أول دليل على أنني ربما كنت أتعامل مع فيروس تاجي بشري جديد لم يسبق وصفه.
كنا في حوالي منتصف يوليو عندما راودتني شكوك قوية باحتمال أن نكون في مواجهة حالة من حالات العدوى بالفيروسة المخاطانية paramyxovirus. لقد قادتني الصورة السريرية الحادة للمريض صفر وموته السريع لاحقًا، مشفوعة بالنتيجة السلبية لكل من المقايسة المناعية المتألقة وتفاعل البوليميراز المتسلسل لفيروس H1N1 وتشكّل المخلاة، إلى الاشتباه بالفيروسات القاتلة نيباه Nipah أو هيندرا Hendra، وكلاهما من الفيروسات المخاطانية التي تحملها الخفافيش. وقررت اختبار العينة رقم 38 بواسطة تفاعل البوليميراز المتسلسل ضد مُطلقات الفيروسة المخاطانية الشاملة، التي تستهدف مناطق محفوظة في جميع الجينومات الفيروسية التي تنتمي إلى فصيلة الفيروسة المخاطانية.

وباطّلاعي على الكتابات المنشورة، حدّدت مجموعتين من مطلقات الفيروسة المخاطانية الشاملة، تصادف أن إحداهما كان قد صممها علماء هولنديون في مركز إيراسموس الطبي (EMC) الذي أكد في وقت لاحق وجود الفيروس التاجى الحديث في العينة رقم 38. طلبت هذه المُطلقات من شركة ألمانية. ولكن خاب أملي عندما أسفرت كل تفاعلات البوليميراز المتسلسل للفيروسات المخاطانية الشاملة التي أجريتها عن نتائج سلبية.

واعتقادًا مني بأن الشروط التي أجريت فيها الاختبار كانت دون المُثلى، اتصلت بالعلماء في EMC طلبًا للمساعدة التقنية. وعرضت عليهم إرسال بعض الحمض النووي الريبي المستخرج من العيّنة رقم 38 لفحصها في مختبرهم باستخدام المقايسة التي طوروها هناك. قيل لي إن فني المختبر كان في إجازة، وأنهم لن يستطيعوا اختبار عيّنتي قبل أغسطس. لم أكن على استعداد لإضاعة المزيد من الوقت.

تابعت طريقي واختبرت العينة رقم 38 بحثًا عن فيروس هانتا، وهو مرض حيواني المنشأ قاتل تحمله القوارض. ومرة أخرى، كانت العينة رقم 38 سلبية لفيروس هانتا. 
كان الفيروس التاجي عاملاً تنفسيًّا آخر، لم تختبر العينة رقم 38 بحثًا عنه. طلبت الحصول على مطلقات لمجمل الفيروسات التاجية تستهدف المنطقة المحفوظة داخل البوليميراز الجيني الفيروسي من الشركة الألمانية نفسها، وصدق ظني، فقد حصلت على ما توقعته: شريط بـ440 زوجًا قاعديًّا. 

وكان أول ما قفز إلى ذهني السارس؛ الفيروس التاجي الذي تسبب في فاشية عالمية ضخمة عام 2003. طلبت مطلقات نوعية للسارس، ويا لدهشتي، كانت نتيجة تفاعل البوليميراز المتسلسل PCR سلبية. كررت هذه التفاعلات عدّة مرات للتأكد. وتمكنت تكرارًا من الحصول على النتيجة الإيجابية للفيروسات التاجية عمومًا، لكنها لم تكن السارس. وكان هذا أول دليل على أنني ربما أتعامل مع فيروس تاجي بشري جديد لم يسبق وصفه. 

كيف تابعت التقدم مع التوصل إلى هذه النتائج؟

ترددت في إعلان النتائج التي توصلت إليها؛ لمعرفتي أن أحدًا لن يصدّق نتيجة مميزة كهذه من مختبر صغير في مشفى سعودي خاصّ؛ وكنت بحاجة إلى رأي ثانٍ من مختبر مستقلّ جيد السمعة. وكنت قلقًا أيضًا من خسارة حقوق الملكية الفكرية إذا تابعت إرسال العيّنة هنا وهناك. بحلول ذلك الوقت، كان العلماء الهولنديون في EMC قد أصبحوا على استعداد لاختبار عيّنة الحمض النووي الريبي الخاصة بناءً على استنتاجاتي الأولية بأنها قد تكون فيروسًا تاجيًّا بشريًّا جديدًا. 

لقد أكّدوا بالفعل استنتاجاتي الأولية، وطلبوا مني أن أرسل لهم جزءًا صغيرًا من عينة المريض رقم صفر؛ لأنهم يريدون إجراء المزيد من الاختبارات، والحمض النووي الريبي الذي بحوزتهم على وشك النفاد. لم يكن لديَّ أي آلية لشحن عينة الفيروس الحيّ مع الحفاظ عليها مبردة باستمرار في أثناء النقل. لذلك، عمدت إلى ترشيح عينة البلغم وخلط الراشح مع خلايا فيرو، وجهّزت العبوة التي تحتوي على أنبوب محكم الأغلاق في حاويات مناسبة واقية من المخاطر البيولوجية، وشحنتها مع ناقل خاصّ ضمن درجة حرارة الغرفة كعيّنة تشخيصية. ونجحت الطريقة. فقد تسلَّموها في هولندا وتمكنوا من استعادة الفيروس الحي، ونُشِر أول تحليل جيني لهذا الفيروس الجديد في دورية نيو إنجلاند جورنال أوف ميديسين NEJM. 

قبل إرسال الفيروس إلى المختبر الهولندي، كان عليّ أن أقيّم عدة مخاطر. فأنا أعلم الآن أن المريض رقم صفر كان مصابًا بفيروس جديد لم يكن معروفًا للإنسان من قبل. لذا، كطبيب وعالم، فإني أحمل مسؤولية قرع ناقوس الخطر ووضع المعلومات ليطّلع عليها الناس. ولكن استنادًا إلى خبرتي الماضية، كنت أعرف أيضًا أنني سوف أدفع الثمن بخسارتي لعملي. ولكني كنت قد حسمت أمري بالفعل. فعملي لا يساوي شيئًا مقارنة بإنقاذ الأرواح.

إذن قررت أن تطلق صافرة الإنذار للتنبيه إلى الفيروس التاجي المسبب لمتلازمة الشرق الأوسط التنفسية؟

نعم. قدمت رسالة تنبيه إلى بريد ProMED (برنامج رصد الأمراض الناشئة) في 15 سبتمبر، 2012. وفور ظهور الرسالة على الإنترنت يوم 20 سبتمبر، كنت موضع هجوم من وزارة الصحة السعودية. وكانت "الجريمة" التي اقترفتها هي خرق القوانين بشحني للعيّنة رقم 38 -وهي العيّنة نفسها التي فشلوا في تشخيص مرضها- إلى المختبر الهولندي دون إذن منهم. لقد عملت في المملكة العربية السعودية سنوات عديدة، وكنت أعرف جيدًا أن هذا هو الإجراء المعمول به بين المستشفيات السعودية، ولكن لم يكن أمامي أي خيارات أخرى. وفي 23 سبتمبر، ظهرت أيضًا رسالة في بريد برنامج رصد الأمراض الناشئة من مستشفى في لندن عن مريض قطري، وشعرت أن هذا سيقوّي موقفي أمام وزارة الصحة السعودية.

ولكن لم يكن من الممكن إيقاف العاصفة. في 25 سبتمبر، عدت إلى القاهرة تاركًا ورائي كل ممتلكاتي الشخصية.

إذن، أسرعت بالعودة إلى القاهرة، تاركًا كل شيء، حتى الكشف الخاص الذي توصلت إليه. هل طلب منك المستشفى العودة لمتابعة عملك؟ 

لا، بل طلبوا مني أن أرسل لهم خطاب الاستقالة؛ فقد أغلقوا مختبري وعقّموا كل مواد العينة رقم 38. ولولا العينة التي كنت قد أرسلتها إلى المختبر الهولندي، لكانت ضاعت إلى الأبد.

كيف تمكنت من نشر البحث في دورية نيو إنجلند جورنال أوف مديسين مع شركائك الهولنديين بعد عودتك إلى القاهرة؟

لقد اعتُبِرت الرسالة التي وجهتها إلى بريد برنامج رصد الأمراض الناشئة هي السجلّ الدامغ الذي حمى حقوقي الفكرية لهذا الاكتشاف. كنت قد أبقيت جميع البيانات السريرية للمريض رقم صفر. وعمد العلماء في EMC إلى تضخيم عينة الفيروس التي أرسلتها لهم، وتمكّنوا من وضع تسلسل الجينوم الكامل لهذا الفيروس التاجي الجديد. كما قاموا بوضع تحليل لسلالة الفيروس ونشروه في البحث. لقد كتبت الجزء الأكبر من هذا البحث، وعرضتُ على اثنين من الأطباء المصريين الذين فحصوا المريض صفر أن يكونوا كتّابًا مشاركين في هذ البحث، ولكنهم رفضوا. فقد شعروا أن ظهور أسمائهم في هذا البحث قد يجلب لهم المتاعب، وربما فقدوا عملهم أيضًا. أما البحث فقد قُبِلَ بسرعة ونُشِرَ في أوائل نوفمبر.

سعيد العمودي، المدير الإقليمي للمختبرات وبنوك الدم في جدة، نحا باللائمة عليك في انتشار متلازمة الشرق الأوسط التنفسية. وقال إن المختبر الذي كنت تعمل فيه لم يكن الوسط المناسب للتعامل مع هذا الفيروس المنقول بالهواء، وربما تكون –دون علم منك- قد أديت دورًا في انتشاره إلى العالم الخارجي. كيف تجيب على هذه المزاعم؟

لقد رأيت المريض صفر يموت، فعرفت أن الأمر كان خطيرًا، وأنه كان عليّ أن أتخذ الاحتياطات لعدم التقاط هذا المرض الغامض. لم تكن هذه هي المرة الأولى التي أتعامل فيها مع فيروس غير معروف. لديَّ سجلّ حافل بالأعمال الناجحة يوضح كفاءتي في التعامل مع العوامل المعدية المجهولة. 

أما بالنسبة لمختبري، فيمكنني أن أصنفه بكل ارتياح كمرفق من الدرجة + BSL2. كانت غرفة الزرع الخلوي تحت ضغط سلبي، وكانت مجهزة بموصدة مزدوجة الباب. كانت تتوفر لديَّ معدّات الوقاية الشخصية الضرورية كافة، وكانت مرشّحات غرف السلامة البيولوجية تخضع للتفتيش بصورة منتظمة. كانت أوعية الطرد المركزي تغلق بإحكام. وبمنتهى الدقة، كانت كل الإجراءات في المختبر منيعة ضد الرذاذ الفيروسي. كان مختبري مرفقًا تشخيصيًّا معتمدًا، ويتلقى بشكل منتظم عيّنات من وزارة الصحة السعودية نفسها.

الآن وقد عدت إلى القاهرة، هل لديك أي خطط مستقبلية لتجهيز مختبرك الخاص بمتلازمة الشرق الأوسط التنفسية؟

لقد عدت إلى منصبي الأكاديمي الأصلي أستاذًا لعلم الأحياء المجهرية في جامعة عين شمس. لقد ساعدت وزارة الصحة المصرية لإعداد أول مقايسة تشخيصية بتفاعل البوليميراز المتسلسل PCR الخاص بمتلازمة الشرق الأوسط التنفسية. إذا تمكنت من تأمين التمويل الكافي، فسوف أعدّ مختبري الخاص بالتأكيد. وإلا، فإني أود أن أمضي حياة مسالمة هادئة إلى جانب مسؤولياتي الأكاديمية العادية.

doi:10.1038/nmiddleeast.2014.142