عاصفة من الجدل أشعلها حصول الذكاء الاصطناعي على اثنتين من جوائز نوبل
14 October 2024
نشرت بتاريخ 26 ديسمبر 2013
من الممكن أن يسهم اعتماد سياسات قائمة على الأدلة لمواجهة فيروس نقص المناعة البشرية، في منع انتشار فيروس نقص المناعة البشرية في منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا (MENA)، وهي المنطقة التي يضعها انخفاض معدل انتشار الفيروس فيها ضمن حيّز الشفاء الممكن من الوباء.
ولكن إدخال سياسات الوقاية من فيروس نقص المناعة البشرية في النسيج الاجتماعي والثقافي لبلدان الشرق الأوسط وشمال أفريقيا أمر مليء بالصعوبات. هناك الكثير من البحوث ذات الصلة بالسياسة الدولية لمواجهة فيروس نقص المناعة البشرية ضمن إطار الليبرالية الغربية؛ التي تعتمد على درجات متفاوتة من تقبّل سلوكيات المجموعات المعرّضة للخطر، كمثليي الجنس، أو العاملين في مجال الجنس.
هناك أدلة على أن وباء فيروس نقص المناعة البشرية في منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا يتركز ضمن ثلاث مجموعات رئيسية، هي: متعاطو المخدرات حقنا (PWID)، البغايا (FSW)، والرجال مثليو الجنس، أي الذين يمارسون الجنس مع الرجال (MSM). ما لم تُفرض السيطرة على فيروس نقص المناعة البشرية في هذه المجموعات الرئيسية، فسيستمر في الانتقال إلى عامة السكان؛ فالمجموعات تتداخل فيما بينها في نهاية الأمر.
فمثلا، يمكن للزوج الذي يمارس الجنس مع إحدى العاملات بالجنس أن يصاب بالعدوى وينقل الفيروس لزوجته. وقد وجدت الدراسات بالمثل، أن العديد من متعاطي المخدرات حقنا والرجال مثليي الجنس في هذه المنطقة متزوجون.
ولكن بعض المعلّقين في بلدان منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا يجادلون بأن السياسات الغربية لمواجهة فيروس نقص المناعة البشرية تشجّع المفهوم العالمي الذي يتعارض مع القيم المحافظة في هذه المنطقة. ويذهب البعض إلى أبعد من ذلك بالقول إن هذه السياسات الدولية هي أحد أشكال الاستعمار الجديد أو الإمبريالية الثقافية.
الحالة تفرض السؤال: كيف يمكن التوفيق بين سياسات الوقاية من فيروس نقص المناعة البشرية، والمعايير الاجتماعية الثقافية في المنطقة؟
يكمن أحد الحلول في وضع حدّ واضح بين تأييد السلوك غير المقبول -من وجهة نظر العادات والتقاليد- من جهة، ومواجهة مصدر القلق الذي يهدّد الصحة العامة من جهة أخرى. إيران وماليزيا ليستا دولتين عربيتين، ولكن فيهما بعض أوجه التشابه المشتركة مع دول الشرق الأوسط وشمال أفريقيا؛ نظرا لاحتوائهما على أغلبية مسلمة. وقد قدّم علماء الدين الإسلامي في هاتين الدولتين دعمهم لتدابير درء المخاطر التي تستهدف الفئات السكانية الرئيسية؛ من أجل الفائدة الصحية العامة.
من هذا المنطلق، أصبحت المنظمات غير الحكومية ممرا لتوجيه التمويل من أجل جهود درء المخاطر، ففي كل من إيران وماليزيا، تتوفر خدمات تبادل الإبر لمتعاطي المخدرات حقنا، وقد أبدت نتائج جيدة في الحدّ من انتقال فيروس نقص المناعة البشرية.
إن قيام شراكة بين الباحثين وعلماء المسلمين وواضعي السياسات ومؤيديها والمنظمات غير الحكومية؛ أمر أساسي لتغيير السياسات في الشرق الأوسط وشمال أفريقيا. ويمكن تقديم البيانات الحالية لعلماء المسلمين من أجل كسب تأييدهم. سوف يقلّل هذا الدعم من أثر الوصمة، فيساعد بالتالي واضعي السياسات، ومن ثم يساعد المنظمات غير الحكومية التي تنفذ سياسات درء المخاطر.
وقد أسهمت السياسات الناجحة في منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا في دفع معظم البلدان في المنطقة إلى توفير العلاج المضاد للفيروسات القهقريّة (ART) مجانا للمتعايشين مع فيروس نقص المناعة البشرية (PLHIV). ومع ذلك، تشير تقديرات برنامج الأمم المتحدة لمكافحة الإيدز إلى أن 10% فقط من المتعايشين مع فيروس نقص المناعة البشرية في منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا، ممن هم بحاجة للعلاج، يحصلون عليه. وهذا من أدنى معدلات التغطية العلاجية في العالم.
وقد ظهر أن علاج فيروس نقص المناعة البشرية بالأدوية المضادة للفيروسات القهقريّة ينقص أعداد الفيروسات إلى مستويات غير قابلة للكشف، ويقلل بالتالي من احتمال انتقال العدوى.
إن انخفاض معدل الحصول على مضادات الفيروسات القهقرية متعدد العوامل، وربما كان السبب الرئيسي أن العديد من الناس لا يعرفون أنهم مصابون بفيروس نقص المناعة البشرية. قد تسهم سهولة توفّر الفحص وتضاؤل "الوصمة" في تشجيع الناس على معرفة ما إذا كانوا مصابين بالفيروس. بالإضافة إلى معالجة هذه القضايا كبيرة الأهمية، قد تشجع الحوافز على الالتزام ببرنامج مضادات الفيروسات القهقرية في تحسين فعاليته. وقد وُجد أن الحوافز المالية المقدّمة على شكل دفعات صغيرة مقابل أخذ مضادات الفيروسات القهقرية، وإثبات ذلك بفحوص الدم، يزيد من درجة الالتزام.
يصعب على العديد من المتخصصين في الرعاية الصحية عرض إجراء فحص فيروس نقص المناعة البشرية على المرضى؛ خشية الإساءة لهم والإيحاء بأن المريض قد تورط في سلوك محرّم. لذا ربما كانت المنطقة بحاجة إلى خلق سياسات تشجع مقدّمي الرعاية الصحية على تقديم اختبارات الكشف عن فيروس نقص المناعة البشرية، أو تُلزِمهم به؛ فقد يسهم الاختبار الإلزامي في محو الوصمة.
الصورة ليست بهذه القتامة. فهناك عدة أمثلة من السياسات المستندة إلى الأدلة والأنشطة الناجحة للمنظمات غير الحكومية في المنطقة. هناك برامج صحية فعالة في تونس للكشف على النساء العاملات بالجنس. وفي كل من مصر والجزائر برامج لاختبار فيروس نقص المناعة البشرية ولتوعية العاملات بالجنس. وفي المغرب هناك مبادرات للوقاية من فيروس نقص المناعة البشرية بين العاملات بالجنس والرجال مثليي الجنس. وقد قدمت تونس والجزائر برامج توعية للرجال المثليين لتشجيع استخدام الواقي الذكري وإجراء اختبار فيروس نقص المناعة البشرية. وفي الأردن وُضِعت إعلانات على الحافلات لتوجيه متعاطي المخدرات حقنا نحو موارد العلاج. وفي مصر هناك العديد من المنظمات غير الحكومية التي توفر الإبر النظيفة لمتعاطي المخدرات حقنا. وقد طور لبنان برامج وقاية للمجموعات الرئيسية الثلاث.
هذه البرامج كلها مشجعة، ولكن الجهود تتعرقل بسبب نقص التمويل، ودعم الدولة فائق الحذر، الذي غالبا ما تنأى فيه الحكومات بنفسها علنا عن البرامج.
تشكّل عدة بلدان في المنطقة موطنا لعدد كبير من العمال المهاجرين، المعرّضين للإصابة بعدوى فيروس نقص المناعة البشرية، وفقا للكثير من الدراسات. ويُجرى – عادةً - ترحيل فوري للعمال الذين يثبت الفحص إيجابية حملهم لفيروس نقص المناعة البشرية. ولكن الإبعاد لا يعالج حقيقة أن العديد من العمال المهاجرين كثيرا ما يصابون بعدوى فيروس نقص المناعة البشرية في أثناء وجودهم في البلد المضيف.
انفصال المهاجرين عن أزواجهم مثلا، إلى جانب زيادة توفّر الموارد المالية يسهمان في اتباع سلوكيات خطرة، مثل مجامعة العاملات في مجال الجنس. سوف يسهم تركيز الوقاية من فيروس نقص المناعة البشرية على الفئات السكانية الرئيسية، في التعامل مع مصدر انتقال العدوى في البلد المضيف، وفي الحدّ من الحالات الجديدة لانتقال فيروس نقص المناعة البشرية بين المهاجرين.
لكن أولا، يجب أن تكون جهود الوقاية من الفيروس –التي تتضمن التثقيف والتوعية والفحص الطوعي المجاني والعلاج- متاحة بسهولة للعمال المهاجرين.
بهذه الطريقة، سيكون إدراك السياسات للعوامل السياقية والهيكلية للعديد من السلوكيات التي تنطوي على مخاطر العدوى بفيروس نقص المناعة البشرية أمرا مهما قيما؛ وهو جزء مكمل لسياسة الوقاية من فيروس نقص المناعة البشرية.
هناك شأن آخر مهم يتعلق بالسياسة الوقائية، ويكمن في تمكين النساء؛ لزيادة قدرتهن على رفض ممارسة الجنس الذي قد يعرضهن لخطر التعرض لفيروس نقص المناعة البشرية. وقد وجدت البحوث أن النساء الأكثر تعليما وتمتعا بالأمان المالي أقل عرضة للانخراط في سلوكيات جنسية أو ممارسة الجنس مع شخص معروف بانخراطه في سلوكيات عالية المخاطر,,.
تتابع المنطقة اتخاذ خطوات واسعة في هذا المجال، مثل تحسين إتاحة تثقيف المرأة، ولكنها تستطيع بذل المزيد من الجهود لتحسينه. كما يعد التثقيف أمرا حيويا لمجموعتين أخريين من المجموعات المعرضة للخطر: الشباب والسجناء.
ويجب أيضا تشجيع السياسات التي تسهّل إجراء البحوث المحلية على فيروس نقص المناعة البشرية، والتعاون الدولي. ولكن لكي تتمكن البحوث الوبائية والتدخلية من الوصول إلى كامل إمكاناتها، فإن المفتاح هو فهم ثقافة المنطقة. يمكن للتبصّر في طريقة عمل المجتمع أن يوفّر الكثير من القوة في مكافحة فيروس نقص المناعة البشرية، وإدراك هذه الناحية أمر ضروري لإعادة وضع السياسات ومواءمتها بطريقة يمكنها تعزيز جهود التعامل مع فيروس نقص المناعة البشرية.
doi:10.1038/nmiddleeast.2013.250
تواصل معنا: