مقالات

تزايد السمنة المخفيّة لدى النساء في الدول العربيّة

نشرت بتاريخ 7 أكتوبر 2013

تغيرات أسلوب الحياة في جميع أنحاء العالم العربي أدت إلى ارتفاع حاد في معدلات السمنة، والنساء هنّ الأكثر تضررا.

لويز سارانت


© PhotoDisc/GettyImages

تهدد الزيادة الكبيرة في البدانة بين النساء العربيات بأن تصبح أزمة صحية؛ لكون ما يقرب من نصف الإناث البالغات في بعض البلدان زائدات الوزن، وهو ضعف معدل زائدي الوزن من الرجال .

تشير المسوحات التي أجرتها الجمعية الدولية لدراسة السمنة إلى أن معدلات السمنة بين الإناث في المنطقة أعلى بكثير منها لدى الذكور. ففي الكويت، تعاني 47.9٪ من النساء من السمنة المفرطة، مقارنة بـ 34.6٪ من الذكور. وفي قطر والمملكة العربية السعودية، تعاني 45.3٪ و44٪ تقريبا من النساء من السمنة المفرطة، وهو ما يقرب من ضعف معدلها لدى الرجال هناك1 .

ويرجع سبب اختلاف الزيادة بين الدول العربية إلى الاختلافات الاجتماعية والاقتصادية والجغرافية والثقافية. ولكن يبدو أن التغيّر الملحوظ في النظام الغذائي هو القاسم المشترك، بالتزامن مع تزايد التوجه إلى الحمية 'الغربية' بشكل أكبر قبل نحو ثلاثة عقود من الزمن، مع تجاوز الحاجة السكانية المحلية المتزايدة لقدرات الإنتاج المحلي .

مع استهلاك المزيد من الطعام الغنيّ بالسعرات الحرارية، أصبح تناول كميات أكبر من الدهون الحيوانية والسكريات وانخفاض الألياف الغذائية أمرا سائدا في المنطقة، وباتت الأطعمة التي كانت في السابق غير متوفرة -مثل المكرونة والمشروبات الغازية السكرية- ضمنَ الأطعمة ذات الشعبية. ومع توجه المزيد من النساء إلى العمل، حلّت الوجبات السريعة -الغنية بالدهون المشبعة والكوليسترول والصوديوم في كثير من الأحيان- محل وجبات الطعام الرئيسية التقليدية المعدّة في البيت .

تشرح نجاة مختار، رئيس الجمعية المغربية للتغذية، أن معظم النساء المغربيات والتونسيات يفشلن في إنقاص الوزن الذي يكتسبنه خلال فترة الحمل. "لا تتلقى الأمهات الصغيرات أي متابعة للتغذية بعد إنجاب الطفل، ويملن للسماح لأنفسهن بالسمنة".

النساء البدينات أيضا أكثر عرضة للإجهاض، وقد يواجهن صعوبات في حدوث الحمل، استنادا إلى قول نجوى حسن، طبيبة الأطفال ورئيس قسم الليزر في المركز القومي المصري للبحوث. "تتوضع الكميات الزائدة من الدهون الإضافية حول الأعضاء الداخلية، وتحيط بالمبيضين فتقلل من الخصوبة".

إن مستويات النشاط البدني في منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا متدنِّية، وخاصة بين النساء. ففي المملكة العربية السعودية والبحرين، على سبيل المثال، تقتصر ممارسة التمارين الرياضية على 2٪ و6٪ فقط من النساء2، 3. كما أن فرص القيام بالتمارين أو ممارسة الرياضة محدودة، حيث تمنع الحساسيات الثقافية المرأةَ من ممارسة الرياضة في الأماكن العامة.

في دراسة قادها عبدالرحمن مصيقر، أستاذ التغذية والصحة العامة في جامعة البحرين، ورئيس المركز العربي للتغذية، ومقره البحرين أيضا، قالت 67٪ من الإناث إن ثمة تمييزا بين الجنسين؛ نظرا لأن معظم المرافق الترفيهية الرياضية مخصصة للرجال فقط4.

في المملكة العربية السعودية، هناك مشروع رائد قيد التنفيذ لفتح بعض المدارس في الليل للنساء لممارسة الرياضة، حسب قول مصيقر. "تقع معظم الالتزامات الأسرية في العالم العربي على عاتق المرأة، وهذا يحدّ بشكل كبير من الوقت الذي يمكنها ممارسة الرياضة أثناءه". ومن خلال مشاوراته مع المرضى من النساء، يعتقد أن المرأة عموما لا يروقها النشاط البدني بوصفه خيارًا لإنقاص الوزن، وتثنيها عنه فكرة بناء العضلات.

وثمة مسألة أخرى، هي الاعتقاد السائد في المجتمع العربي بارتباط السمنة مع الجمال والمكانة الاجتماعية العالية. كشفت دراسة أجراها مركز فيليبس للصحة والرفاهية في دولة الإمارات العربية المتحدة عام 2010 عن وجود تباين شاسع بين إدراك الناس لشكلهم، وحالتهم الجسدية الفعلية. فقد اعتقد نحو 75٪ من الذين استُطلعت آراؤهم أن وزنهم كان طبيعيا، في حين أظهرت الأرقام الرسمية أن 30٪ منهم فقط كانت أوزانهم ضمن معدلها الطبيعي .

يشير مصيقر إلى أن هذا المفهوم الخطأ قد تكون له جذور ثقافية. "تساعد تقاليدنا على إخفاء العلامات المرئية للسمنة تحت العباءات الطويلة التي تغطي الجسم كله. وتخفي ملابس الرجال أيضا الوزن الزائد، لذا لا يوجد اعتراف بالبدانة"، كما يقول.

هذه الظاهرة، التي تسميها "مختار": 'السمنة الخفية' أو 'البدانة الخفية'، تجعل من الصعب رؤية شكل المرأة، والتعرف بالتالي على إمكان وجود حالة صحية مهددة للحياة الصحية5.

معالجة هزيلة على امتداد الأمة

تساعد تقاليدنا على إخفاء العلامات المرئية للسمنة تحت العباءات الطويلة التي تغطي الجسم كله.

في شمال أفريقيا وبلاد الشام، كانت المرأة الريفية عموما أقل عرضة للبدانة، ويرجع ذلك إلى النشاط البدني الكبير الذي تمارسه، ولكن وفقا لما تراه "مختار"، فالنظام الغذائي الصحي والنشاط البدني العالي لنساء الريف المغربي آخذان في التغيّر. "تبيع النساء الفلاحات الفواكه والخضار والحليب والبيض، وتستخدم الأموال التي تجنيها لشراء الأطعمة الغنية بالطاقة مثل السكر ودقيق القمح"، في حين تمارس كثير من النساء الريفيات الرياضة البدنية أثناء عملهن، فإن نظامهن الغذائي يقوّض جهودهن .

تتأسف "حسن" لعدم وجود حملات وطنية حكومية موجهة ضدّ السمنة. "ينصبّ التركيز على التهاب الكبد والسرطان"، كما تقول، وليس على نهج شامل للتغذية من قبل الخدمات الصحية.

وتردد "مختار" المخاوف التي أوردتها "حسن" عن ضآلة الاهتمام الذي تبديه السلطات الصحية في شمال أفريقيا تجاه زيادة الوعي بخصوص السمنة، ونقص التمويل المخصص للدراسات المتعلقة بهذا الموضوع .

وهي تقول إن وزارات الصحة تخطط برامجها حول المبادئ التوجيهية التي قدمتها الأهداف الإنمائية للألفية (MDG)، مثل: الجوع، ووفيات الأمهات والأطفال، والتعليم، والبيئة، والمساواة بين الجنسين، ولكن ليس حول السمنة والأمراض المزمنة. "على الرغم من أن كل أسرة في المنطقة تضمّ حالة واحدة على الأقل من السمنة، أو السرطان، أو ارتفاع ضغط الدم، أو مرض السكري، فإن تركيز حكوماتنا ينصبّ على مجالات أخرى"، تقول "مختار" .

يدرك المهنيون الصحّيّون الأعباء المالية الثقيلة المترتبة على الأمراض المزمنة المرتبطة بالسمنة، ويقولون إن هناك حاجة لحملات تشترك فيها وسائل الإعلام، وشركات تصنيع المواد الغذائية، والأطباء .

يرغب مصيقر أيضا أن يرى تدريبا لأطباء الأسرة في مجال التغذية؛ "لأنهم لا يعرفون الكثير عنها، والناس يضعون ثقتهم في الأطباء أكثر من اختصاصيي التغذية".

وقد أعدّ مع اختصاصيي التغذية من فرقة العمل العربية للسمنة والنشاط البدني مجموعة من المبادئ التوجيهية لمكافحة السمنة وتشجيع النشاط البدني في الدول العربية .

ويقول إنه ينبغي تكييف المبادئ التوجيهية تبعا لاحتياجات كل بلد، إلا أن الهدف العام هو تعزيز العادات الغذائية الصحية، والحد من عوامل الخطر للأمراض المزمنة غير المعدية، وتشجيع المزيد من الأبحاث وزيادة الوعي. كما يمكنها المساعدة أيضا في تطوير شراكات بين المؤسسات الحكومية والقطاع الخاص والمجتمع المدني؛ للتصدي للسمنة بشكل فعال.

doi:10.1038/nmiddleeast.2013.173


  1. World map of obesity. International Association for the Study of Obesity.
  2. Al-Nozha MM. et al. Prevalence of physical activity and inactivity among Saudis aged 30-70 years. A population-based cross-sectional study. Saudi Med J. 28(4): 559-68 (2007).
  3. Al-Mahroos F. & Al-Roomi K. Obesity among adult Bahraini population: impact of physical activity and educational level. Ann Saudi Med. 21(3-4): 183-7 (2001).
  4. Musaiger, A.O. & Al-Ansari, M.S. “Barriers to practicing physical activity in the Arab countries,” in Nutrition and Physical Activity in the Arab Countries of the Near East, A. O. Musaiger and S. S. Meladi, Eds., FAO/Cairo Regional Office, Cairo, Egypt, 2000.
  5. Mokhtar, N. et al. Diet Culture and Obesity in Northern Africa. J. Nutr. 131(3): 887S-892S (2001)