مقالات

ضياع التاريخ السوري

نشرت بتاريخ 15 سبتمبر 2013

الصراع الدائر في سوريا يهدد بضياع المعالم التاريخية والتحف الأثرية، في حين يتبارى علماء الآثار والمواطنون لحماية ما يستطيعون حمايته.

راينا ستامبوليسكا


يتعرض التراث الثقافي الغنيّ في سورية، والذي يعود إلى بدايات التاريخ البشري، إلى خطر تصاعد القتال في البلاد.

ويشكّل جمع المعلومات الدقيقة تحديًا كبيرا، ولكن على الرغم من العنف، يحاول علماء الآثار والمواطنون توثيق تدمير المواقع التاريخية على أثر مغادرة كل البعثات الأثرية الدولية للأراضي السورية.

من البابليين إلى العرب والصليبيين، تركت العديد من الحضارات بصماتها على سوريا. هناك ستة مواقع في البلاد تظهر على قائمة مواقع التراث العالمي لليونسكو، وهي: دمشق وحلب وقلعة الحصن وتدمر وبصرى والقرى الأثرية في شمال سورية. وهناك مئات من المعالم الأثرية على قائمة اليونسكو بشكل مبدئي، كما يضم سجل التراث الوطني ثروة من الكنوز.

منذ بدء الاضطرابات في مارس 2011، كثيرا ما تم الإبلاغ عن تدمير المواقع التراثية . وتتراوح أسباب الدمار بين القصف وإطلاق النار إلى الاحتلال العسكري والتفجير. كما أن استشراء النهب والعمليات غير القانونية في المواقع الأثرية غير المحروسة في تزايد أيضا.

المديرية العامة للآثار والمتاحف (DGAM) في سوريا هي السلطة المسؤولة عن صيانة التراث وحمايته والحفاظ عليه في جميع أنحاء البلاد، ولكن استمرار النزاع الدائر يجعل مهمتها صعبة على نحو متزايد.

قبل بدء أعمال العنف، كان هناك نحو 180 بعثة أثرية وطنية ودولية ممثلة في سوريا، لكنها جميعا غادرت البلاد في عام 2011.

توثيق الدمار

ليس ثمة سياسة واضحة لوصف الآثار والمحافظة عليها بشكل مناسب.

مع تزايد حدّة العنف ، يصبح جمع البيانات أكثر خطورة، ورغم ذلك قام أكاديميون ومواطنون بإعداد أرشيف للآثار التالفة وعرض بياناته في صفحة متعددة اللغات في الفيسبوك مخصصة لهذا الغرض، تحمل عنوان: الآثار السورية في خطر.

"تجمع صفحة الفيسبوك معلومات لمساعدة البعثات في عملية الإصلاح في المستقبل"، يوضح رودريغو مارتن جالان، أحد مسؤولي إدارة الصفحة وعالم الآثار السابق في سوريا. "لا يمكن إعادة بناء المواقع التي دُمِّرت، ولكن هناك تقنيات ترميم فعالة لا تتطلب كثيرًا من الوقت والمال فقط، بل معلومات مفصلة ودقيقة عن الآثار أيضا".

وعلى الرغم من مناشدات اليونسكو، يستمر الدمار. "من المستحيل أن نعود إلى هناك ونحمي المواقع"، يقول جالان. "يبذل اختصاصيو الآثار المحليين قصارى جهدهم، ولكن البعثات الدولية لم تعد تدخل إلى سورية. لقد مارست حكومة الأسد كثيرا من الضغط علينا. في عام 2011، خرج علماء الآثار الأجانب المتعاقدين مع وزارة الآثار السورية في مظاهرات سلمية في أوروبا، ليُطرَدوا في وقت لاحق بتهمة التحريض".

تشير وثائق مسرّبة إلى أن الحكومة تلقت تحذيرات تتعلق بوجود عصابات تستهدف الآثار، وأن الإنتربول يتقصَّى حول الآثار المسروقة، ولكن النهب والتهريب مستمران.

وقد سُرِقت بعض القطع الأثرية وبيعت من أجل الربح الخاص، ولكن قطعا أخرى تُهَرّب لحمايتها. "على الرغم من الادعاءات السياسية بأنّ تراثنا هو كنزنا الأكبر، إلا أنه ليس ثمة سياسة واضحة لوصف الآثار والمحافظة عليها بشكل مناسب"، حسب قول س.أ. *، عالم الآثار السوري.

"أحيانا عندما يختفي شيء، فإن قلة تشتبه بوجوده أصلا، وهكذا قررت أن أضع المواد التي يمكن أن تصل إليها يداي في أماكن آمنة خارج سوريا. لا يوجد متحف في الخارج يقبلها، ولكن علماء الآثار الذين عملوا سابقا في سوريا يساعدونني. إن الحفاظ على هذه الكنوز مهمة شاقة، ولكني أعتقد أنها أكثر أمانا الآن مما لو بقيت في سوريا".

"لا مَخْرَج"

هذا تاريخنا، ونريد إعادة بنائه بأنفسنا؛ لكي يكون إرثا للشعب.

ما من سياسة وطنية تنظم البحث المتعلق بالتراث التاريخي، وندرة البعثات الأثرية الدولية جعلت القطع الأثرية والآثار عرضة للضياع. وقد اختزلت جميع جهود مبادرات الترميم و الجرد السابقة في الجهود التي تبذلها تلك البعثات.

"لم تأخذ الحكومة أبدا الوقت الكافي لصياغة مثل هذه السياسة وتنفيذها. خذ متحف دمشق الوطني على سبيل المثال؛ فتوثيق كافة الموجودات في مخازنه يحتاج إلى خمس سنوات وفريق متخصص بدوام كامل"، كما يقول علي عثمان، عالم الآثار والباحث في المديرية العامة للآثار والمتاحف. "لقد وقّعت الحكومات المتعاقبة كل أنواع الاتفاقات الدولية لإنشاء مراكز التوثيق و حماية التراث الثقافي في أوقات الحرب. لكن حكومة الأسد لا تحترم هذه الاتفاقيات".

وقد تناقلت وسائل الإعلام الصور المروعة للدمار -مثل قصف المسجد الأموي في حلب، أو حمص مدينة الأشباح- إلى جميع أنحاء العالم. كان هناك احتجاج على غياب عمل اليونسكو، لكن عثمان يقول إن الهيئة الدولية عاجزة. "المواقع التاريخية والمتاحف كافة تقع تحت المسؤولية المباشرة للمديرية العامة للآثار والمتاحف و الهيئة العليا للآثار، التي تعتمد بدورها على وزارة الثقافة بشكل مباشر".

يقول عثمان: إن علماء الآثار في المديرية العامة للآثار والمتاحف هم الوحيدون في البلاد الذين يقدرون على حماية تاريخها، "إن حملات زيادة الوعي لمنع علماء الآثار من بيع الآثار وتشجيعهم على توثيقها جارية"، يضيف عثمان. "وفي هذا اللامخرج، نحن في حاجة إلى إيجاد طريقنا لحماية تراثنا. هذا تاريخنا، ونريد إعادة بنائه بأنفسنا؛ لكي يكون إرثا للشعب، لا أداةً في معركة دينية أو سياسية".

doi:10.1038/nmiddleeast.2013.155