مقالات

ثورة «كريسبر» الزراعية في إفريقيا

نشرت بتاريخ 8 مارس 2024

بدأ علماء في نصف الكرة الجنوبي في استخدام تقنية التحرير الجيني الشهيرة هذه لوقاية محاصيل الزراعة المحلية من الأخطار التي تهددها.

هايدي ليدفورد

حقل من نبات السرغوم في بِتسوانا، حيث أسفرت تقنية التحرير الجيني عن ابتكار نبات سرغوم مقاوم لعشب طفيلي مدمر يُسمى عشب الساحرة.
حقل من نبات السرغوم في بِتسوانا، حيث أسفرت تقنية التحرير الجيني عن ابتكار نبات سرغوم مقاوم لعشب طفيلي مدمر يُسمى عشب الساحرة.
Credit: MarcPo/Getty

مهد الثورة: سان دييجو في كاليفورنيا

حسِب ستيفن رونو اختصاصي علم الأحياء الجزيئي أن فريقه سيدخل التاريخ بإحراز قصب السبق في زراعة أول بذور محررة جينيًا على تربة إفريقية، لكن اتضح أن المنافسة في هذا المضمار محتدمة أكثر مما توقع.

إذ إن فريقًا يجري أبحاثًا على الذرة الصفراء "كان له السبق بشهرين أو ثلاثة أشهر" في إحراز هذا الإنجاز، بحسب ما أفاد رونو، الذي يركز مشروعه البحثي للتحرير الجيني في جامعة كينياتا في نيروبي على نبات السرغوم.، والذي أضاف قائلًا: "لا بأس، فهذا من شأنه أن يبرهن للدول الأفريقية على أن تحقيق ذلك ليس من المستحيل في شيء".  

وتُبشر هذه المنافسة الودية بمزيد من التقدم. فلطالما راودت بعض الباحثين آمال بأن تتيح السهولة النسبية والتكلفة الزهيدة لاستخدام أنظمة «كريسبر»، أمام العلماء في الدول منخفضة ومتوسطة الدخل زراعة محاصيل توائم احتياجات المزارعين المحليين، دون الاعتماد على بذور مستنبتة في دول أجنبية. واليوم، يشرف عدد من العلماء على ما لا يقل عن عشرات هذه الجهود البحثية الرامية إلى استنبات محاصيل محررة جينيًا.

ومن بين جملة هذه المشروعات، مشروع رونو لهندسة نبات سرغوم يكون مقاومًا لنوع طفيلي وضار من النباتات يُعرف بالاسم العلمي Striga hermonthica.  ويُزمع إجراء التجارب الميدانية لاختبار أداء هذا الصنف الجديد من نبات السرغوم في وقت لاحق من هذا العام، بحسب ما أعلن رونو في مؤتمر جينوم النبات والحيوان في مدينة سان دييجو في ولاية كاليفورنيا الأمريكية يوم السادس عشر من يناير الماضي.

تعقيبًا على ذلك، يقول كيفن بيكسلي وهو مدير أبحاث في المركز الدولي لتحسن غلات الذرة الصفراء والقمح في تكسِكوكو بالمكسيك: "التحرير الجيني ليس بالسهولة التي يُعتقد أنه بها، لكنه ممكن وأبحاث رونو هي خير مثال على ذلك".

تقنية «كريسبر» تواجه آفة دغل الساحرة

السرغوم من المحاصيل المتينة التي تُستخدم في إفريقيا كغذاء وكمادة بناء وعلف، بيد أن أكثر من 60% منه في مزارع القارة السمراء يتلوث بنوع من عشب دغل الساحرة striga، وهو عشب طفيلي ضار، يلتصق بجذور نبات السرغوم ويمتص منها جميع المغذيات والماء وبإمكان هذه الآفة القضاء على محصول كامل من نبات السرغوم.

وتجدر الإشارة هنا إلى أن بعض أصناف نبات السرغوم البرية مقاومة لعشب دغل الساحرة، لأنها تحمل طفرات تُعدل من إنتاج النبات لمركبات تُعرف باسم الستريجولاكتونات، وهي المركبات التي تعزز إنبات بذور طفيل دغل الساحرة. من هنا، عمد رونو وفريقه البحثي إلى الاستعانة بتقنية التحرير الجيني «كريسبر-كاس-9» لمحاكاة هذه الطفرات.

بموجب لوائح كينيا لعام 2022 المنظمة لزراعة المحاصيل المحررة جينيًا، تُعامل هذه المحاصيل على غرار المحاصيل المستزرعة بالممارسات التقليدية، لأنها لا تحتوي على حمض نووي دخيل عليها من أنواع أخرى، ما يعني أن المحاصيل المحررة جينيًا بتقنية «كريسبر» يمكن ألا تخضع لبعض الاختبارات والاشتراطات المكثفة التي تنطبق على المحاصيل المُعدلة جينيًا المحتوية على حمض نووي دخيل. وقد اعتمدت دولتا نيجيريا ومالاوي سياسات مماثلة، ويُتوقع أن تحذو بلدان أفريقية أخرى مثل إثيوبيا وأوغندا حذوهما، بحسب ما أفاد رونو.

كذلك منحت السلطات الكينية العام الماضي رونو وفريقه البحثي تصريحًا باستنبات بذور محررة جينيًا بموجب هذه اللوائح، وهو يعتزم إطلاق دراسات ميدانية حول هذا المحصول المستنبت في وقت لاحق من هذا العام. وتُعد هذه خطوة كبيرة، حسبما صرح رونو في المؤتمر، لأن عشب دغل الساحرة لا يمثل مشكلة في الدول الثرية، ما يضعف الدافع لابتكار حلول لمواجهته بين الشركات الكبرى متعددة الجنسيات.

صورة لعشب الساحرة الذي يغزو متطفلًا نسبة كبيرة من مساحات الأراضي الزراعية في إفريقيا، حيث يمكنه أن يدمر محصولًا كاملًا
صورة لعشب الساحرة الذي يغزو متطفلًا نسبة كبيرة من مساحات الأراضي الزراعية في إفريقيا، حيث يمكنه أن يدمر محصولًا كاملًا
Credit: weisschr/Getty

«كريسبر» لاستيلاد ماشية تحتمل الحر

وقيد التنفيذ حاليًا عدة مشروعات تحرير جيني أخرى لتحسين المنتجات الزراعية الإفريقية. على سبيل المثال، عمد بيكسلي وفريقه البحثي - الذي يضم باحثين لدى منظمة أبحاث الزراعة والثروة الحيوانية الكينية في نيروبي – إلى ابتكار طرق للتحرير الجيني للذرة الصفراء بحيث تصبح أكثر مقاومة للأمراض النخرية التي تفتك بهذا المحصول. كما يعمل الفريق على التحرير الجيني لنبات الدخن اللؤلؤي ليصبح الدقيق الناتج عنه أكثر مقاومة للتعفُن سريعًا بعد طحنه. وفضلًا عن ذلك، يعكف الفريق حاليًا على التحرير الجيني للفول السوداني ليصبح أكثر مقاومة للعدوى بالفطريات المنتجة لسم مسبب للسرطان. 

وقد شملت أبحاث التحرير الجيني في القارة السمراء أيضًا الماشية الإفريقية، ففي مؤتمر جينوم النبات والحيوان، أشار دان كارلسون، المسؤول العلمي الرئيس بشركة «ريكومبينيتِكس» Recombinetics لأبحاث التحرير الجيني في مدينة إيجان بولاية مينيسوتا الأمريكية إلى مشروع تخضع فيه سلالات من الماشية الإفريقية للتحرير الجيني لتحسين إنتاجها من اللبن وقدرتها على احتمال الحر ومقاومة الأمراض.

ورغم التكلفة الزهيدة نسبيًا للتحرير الجيني مختبريًا، لا تزال عقبات جسام تعترض استجلاب المحاصيل التي تنتجها هذه التقنية إلى المزارع، بحسب ما تفيد كلارا فيشر، المتخصصة في دراسات التنمية الريفية لدى الجامعة السويدية للعلوم الزراعية في أوبسالا.

وهي تضيف: "أحيانًا ما يكون الخطاب حول هذه التقنية مفرط الحماس". فنظرًا إلى أنه من المستبعد أن تكفل هذه السوق احتياجات صغار المزارعين الذين يعانون شح الموارد وضعف القوة الشرائية، يرجح أنه ستبقى هناك حاجة لدور تلعبه الحكومات في نقل منفعة المحاصيل المحررة جينيًا إليهم.

السوق والتمويلات

اعتمد رونو على تمويل من الهيئة الأمريكية للتنمية الدولية، كما يجمعه حاليًا في الإطار نفسه تعاوُن مع شركة «كورتيفا أجريساينس»Corteva Agriscience ، وهي شركة زراعة في مدينة إنديانابوليس، بولاية إنديانا الأمريكية. أما بيكسلي، وفريقه البحثي، فقد تلقى تمويلات لأبحاثه من مؤسسة «بيل آند ميليندا جايتس» في سياتل بولاية واشنطن الأمريكية، كما تدعمه فنيًا شركة «كورتيفا».

ويعي رونو أن هذا الدعم قد لا يتوفر على الدوام. من هنا، يسعى مع فريقه البحثي إلى خفض تكاليف المستلزمات والمعدات المختبرية، وإلى البحث عن مصادر تمويل بديلة.

ويبقى في حكم المجهول كيف ستتأثر هذه الجهود البحثية بمعارك حقوق الملكية الفكرية المتعلقة بابتكارات تقنية كريسبر للتحرير الجيني، وما إذا كانت الأسواق الأجنبية، لا سيما في أوروبا، ستفتح أبوابها للمحاصيل الإفريقية المحُررة جينيًا.

هنا يُذكر أنه على صعيد القبول المحلي لهذه المحاصيل، يفيد رونو بأن المزارعين الذين تحدث معهم أبدوا اطمئنانًا أكبر للمحاصيل المستنبتة على أيدي باحثين محليين، مقارنة بالمحاصيل المستنبتة بذورها في الخارج. ويوضح ذلك بقوله: "لا تُدار المسألة كما في الشركات متعددة الجنسيات. فمن يستخدم التقنية هم أناس نشأنا معهم. والسردية هنا مختلفة تمامًا".

 

 

 

 

 

 

 

 

doi:10.1038/nmiddleeast.2024.79