أخبار

النتائج الأولية لتلسكوب «جيمس ويب» تدعو علماء الفلك إلى إعادة التفكير

 

نشرت بتاريخ 30 نوفمبر 2022

تعديل القياسات المعيارية للتلسكوب يسبب ارتباكًا في أوساط العلماء بشأن الكون البعيد.

ألكسندرا ويتزي

يعكف علماء الفلك على دراسة البيانات الأولية المأخوذة من «تلسكوب جيمس ويب الفضائي».
يعكف علماء الفلك على دراسة البيانات الأولية المأخوذة من «تلسكوب جيمس ويب الفضائي».
Credit: Nolan Zunk/University of Texas at Austin

أظهر علماء الفلك حرصًا بالغًا على الاستعانة بـ«تلسكوب جيمس ويب الفضائي» James Webb Space Telescope، إلى حد أن بعضهم استبق الأحداث قليلًا. وبدأ الكثيرون منهم تحليل البيانات الواردة من التلسكوب بعد إصدار أول دفعة منها مباشرة، في الرابع عشر من يوليو عام 2022، وسارعوا بنشر نتائجهم على خوادم نشر المسوَّدات البحثية. لكنهم الآن بحاجة إلى مراجعتها؛ ذلك أن كواشف التلسكوب لم تُعايَر معايرةً شاملة حين أُتيحت البيانات الأولى، ولم يلتفت بعض الفلكيين إلى تلك الحقيقة في غمرة حماسهم الشديد.

حتى الآن، لا يبدو أن المراجعات غيرت فعليًا الكثير من النتائج الأولية المثيرة، مثل اكتشاف عدد من أبعد المجرات المحتملة. غير أن عملية المعايرة المستمرة تتطلب من الفلكيين التعامل مع القيود الخاصة بالبيانات الأولية المستخلصة من «جيمس ويب».

والحق أن التفكير في كيفية إعادة العمل مرة أخرى لهو "مسألة شائكة ومزعجة"، على حد قول ماركو كاستيلانو، عالم الفلك في المعهد الوطني الإيطالي للفيزياء الفلكية بروما. ويقول جارث إلينجورث، عالم الفلك بجامعة كاليفورنيا، في سانتا كروز: "واجهنا الكثير من الإحباطات". ويضيف جويدو روبرتس-بورساني، عالم الفلك بجامعة كاليفورنيا، في لوس أنجلوس، قائلًا: "لا أظن أن أحدًا توقع أن يمثل هذا مشكلة كبيرة كتلك التي واجهتنا على أرض الواقع".

والمعايرة تمثل تحديًا خاصًا بالنسبة إلى المشروعات التي تتطلب قياسات دقيقة لدرجة سطوع الأجرام الفلكية، مثل المجرات البعيدة الخافتة. فعلى مدار عدة أسابيع، تعاون بعض الفلكيين معًا على إيجاد حلول بديلة لكي يتمكنوا من مواصلة تحليلاتهم.1 ومن المتوقع أن تنطلق الجولة الرسمية التالية من تحديثات معايرات تلسكوب «جيمس ويب» خلال الأسابيع القليلة القادمة من معهد مراصد علوم الفضاء (STSCI) في مدينة بالتيمور، بولاية ميريلاند الأمريكية، وهو القائم على تشغيل التلسكوب. ويُنتظر أن تقلِّص هذه التحديثات هامش الخطأ فيما يخص المعايرات التلسكوبية من عشرات النقاط المئوية التي أربكت الفلكيين، لتصل إلى بضع نقاط مئوية وحسب. وسوف تتحسن دقة البيانات مع استمرار جهود المعايرة على مدار الأشهر القادمة.

تُظهِر الصورة العلمية الأولى التي صدرَتْ عن تلسكوب «ويب» عددًا من المجرات البعيدة.
تُظهِر الصورة العلمية الأولى التي صدرَتْ عن تلسكوب «ويب» عددًا من المجرات البعيدة.
Credit: NASA, ESA, CSA, STScI

وأوضح معهد مراصد علوم الفضاء أن المعايرات المبدئية للتلسكوب كانت تقريبية، على حد قول جين ريجبي، التي تعمل بمشروع عمليات تشغيل تلسكوب «جيمس ويب» في مركز جودارد لرحلات الفضاء (GSFC) التابع لوكالة «ناسا»، والذي يقع في مدينة جرينبيلت بولاية ميريلاند الأمريكية. وجزء كبير من المشكلات ينبع من حقيقة أن تلسكوب «ويب»، الذي أُطلق في ديسمبر 2021، هو تلسكوب جديد، لا تزال تفاصيله قيد البحث والدرس. تقول ريجبي: "لقد مر وقت طويل قبل أن يمتلك المجتمع العلمي تلسكوبًا جديدًا تمامًا — تلسكوبًا كبيرًا يملك هذه القدرة الهائلة على إحداث تغييرات جذرية". 

وتقول مارثا بوير، عالمة الفلك بمعهد مراصد علوم الفضاء، والتي تشارك في قيادة جهود المعايرة: "كنّا نعرف أنه لن يخرج في ثوبه المثالي عند استخدامه لأول مرة".2 

المعايرة بين أخذٍ وردّ

جميع التلسكوبات بحاجة إلى المعايرة. وعادةً ما يتم هذا من خلال رصد نجم مدروس جيدًا، مثل «النَّسْر الوَاقِع» Viga، ذلك النجم الذي يسطع في سماء الليل. يفحص علماء الفلك البيانات التي جُمعت بواسطة الأجهزة المتنوعة المزوَّد بها التلسكوب (مثل درجة سطوع النجم عند أطوال موجية مختلفة من الضوء)، ومقارنتها بقياسات لنفس النجم من تلسكوبات أخرى، وبمعايير مختبرية أخرى.

تخضع البيانات المأخوذة من تلسكوب «جيمس ويب» لعدة أنواع من المعايرة، ولكن الجدال الحالي يدور حول الجهاز الأساسي للتلسكوب؛ أي كاميرا الأشعة تحت الحمراء القريبة (نيركام). خلال الأشهر الستة الأولى بعد إطلاق تلسكوب «ويب»، عكف العلماء من معهد مراصد علوم الفضاء على معايرة «نيركام». ولكن نظرًا لاعتبارات ضيق الوقت، لم يكن أمام الفريق من الوقت ما يكفي إلا لتوجيه التلسكوب إلى نجم أو نجمين، ولتسجيل البيانات باستخدام كاشف واحد من الكواشف العشرة الخاصة بجهازه الأساسي. ثم قدروا معايرات الكواشف التسعة الأخرى. تقول بوير: "هنا تكمن المشكلة. كل كاشف من هذه الكواشف يختلف قليلًا عن الآخر".  

ولم تمض أيام على خروج بيانات تلسكوب «جيمس ويب» الأولى إلا وبدأت مسوَّدات الأبحاث التي لم تخضع للتحكيم العلمي على خادم «أركايف»arXiv ، لتسجل أبعد المجرات المحتملة في الكون كله، مستندةً في ذلك إلى درجة سطوع الأجرام البعيدة، التي خضعت لقياس تلسكوب «ويب» بأطوال موجية متنوعة. ثم، في التاسع والعشرين من يوليو عام 2022، أصدر معهد مراصد علوم الفضاء مجموعة معايرات محدثة كانت مختلفة اختلافًا ملحوظًا عما كان يعمل به علماء الفضاء.

وحول هذا الشأن، علَّق ناثان آدامز، عاِلم الفلك بجامعة مانشستر الإنجليزية، والذي أشار إلى المشكلة هو وزملاؤه في تحديث صدر في التاسع من أغسطس عام 2022 لمسودة دراسة نُشرت في أواخر شهر يوليو من العام نفسه3، قال: "أشاع هذا الأمر حالةً من الذعر. لأن عددًا من العلماء، وأنا منهم، ممن شاركوا في تأليف دراسة ولم ينقض أسبوعان على تشغيل التلسكوب، انتابهم شعور جعلهم يهتفون: يا إلهي! هل كل ما قمنا به كان خطئًا، وهل مصيره في النهاية إلى سلة المهملات؟!".

مرصد حديث

في محاولة لتوحيد جميع القياسات، لا يزال معهد مراصد علوم الفضاء يعمل على خطة تفصيلية لتوجيه تلسكوب «جيمس ويب» نحو عدة أنواع من النجوم المدروسة جيدًا، ورصدها بكل كاشف في كل طريقة تشغيل لكل جهاز على التلسكوب.4 يقول كارل جوردون، عالم الفضاء بالمعهد، والذي يشارك في قيادة جهود المعايرة: "الأمر سيستغرق بعض الوقت وحسب".

وفي هذه الأثناء، يعمل علماء الفلك مجددًا على مسودات تصف المجرات البعيدة على أساس بيانات تلسكوب «ويب». يقول آدامز: "الجميع يراجعون عملهم ويعيدون فيه النظر، والأمر ليس بالسوء الذي كنا نظن". والجدير بالذكر أن الكثير من أبعد المجرات المحتملة في الكون، التي لم يلتفت إليها العلماء بعد، لا تزال في نطاق المسافة التي قُدرت في البداية، أو قريبًا منه. ولكن دراسات أولية أخرى، كتلك التي استخلصت استنتاجات بشأن الكون المبكر من خلال مقارنة أعداد كبيرة من المجرات الخافتة، ربما لا تصمد طويلًا أمام اختبار الزمن. ولم تتأثر مجالات بحثية أخرى، مثل أبحاث الكواكب، كثيرًا لأنها تعتمد بدرجة أقل على هذه القياسات الأولية لدرجة السطوع.

وفي تصريحٍ أدلى به جابرييل برامر، عاِلم الفلك بجامعة كوبنهاجن الدنماركية، الذي طوَّر قياسات معيارية لتلسكوب «جيمس ويب» مستقلًا عن جهود معهد مراصد علوم الفضاء: "أدركنا كيف أن معالجة هذه البيانات عملية مستمرة ومتطورة، نظرًا لأن المرصد جديد".  

على المدى البعيد، من المؤكد أن علماء الفلك سوف يفرزون القياسات المعيارية، ليصيروا أكثر ثقة في استنتاجاتهم. ولكن في الوقت الحالي، تقول بوير: "أود أن أنصح العلماء بأن يتخَّوا شيئًا من الحذر؛ فبغض النظر عن النتائج التي قد يتوصلون إليها اليوم، فربما يثبت عدم صحتها بعد ستة أشهر، عندما يتوافر لدينا مزيد من المعلومات. الأمر أشبه بالتقدم على مسؤوليتك الخاصة".

 

doi:10.1038/nmiddleeast.2024.40


1. Nardiello, D. et al. Preprint at https://arxiv.org/abs/2209.06547 (2022).

2. Boyer, M. L. et al. Preprint at https://arxiv.org/abs/2209.03348 (2022).

3. Adams, N. J. et al. Preprint at https://arxiv.org/abs/2207.11217 (2022).

4. Gordon, K. D. et al. Preprint at https://arxiv.org/abs/2204.06500 (2022).