مقالات

كبح مرض السكري

نشرت بتاريخ 12 يونيو 2023

إجازة هذا العقار الرائد، الذي يعمل على تعطيل تقدم مرض السكري من النوع الأول، تبشِّر بحقبة جديدة في مجال الوقاية من أمراض المناعة الذاتية.

إيلي دولجين

في عام 2016، تلقت الطالبة ميكايلا أولستن العلاج بالجسم المضاد المعروف باسم «تبليزوماب»، وهو ما جَنَّبَها ظهور أعراض مرض السكري من النوع الأول.
في عام 2016، تلقت الطالبة ميكايلا أولستن العلاج بالجسم المضاد المعروف باسم «تبليزوماب»، وهو ما جَنَّبَها ظهور أعراض مرض السكري من النوع الأول.
Credit: Natalie Behring for Nature

عايشت ميكايلا أولستن التجربة المريرة التي خاضتها شقيقتها مع مرض السكري، وهدَّدت حياتها. وهي التجربة التي كانت لأولستن بمثابة جرس إنذار.

كان ذلك في عام 2016، ولم تكن أولستن قد تجاوزت الرابعة عشرة عمرها، حين أُدخِلَت شقيقتها الصغرى، مَيا، إلى غرفة العناية المركزة، بعد أن أصيبت بفشل كلوي، أدَّى إلى تجمع السائل على رئتيها. كانت مَيا تعاني من «التسمم الكيتوني الحمضي» ketoacidosis؛ وهو أحد مضاعفات مرض السكري من النوع الأول (T1D)، الذي يمثل الدليل الأوضح على أن الجسم لا يصنع الكمية الكافية من هرمون الإنسولين، المنظِّم لمستويات السكر. عند الإصابة بالسكري من النوع الأول، يرتفع مستوى السكر في الدم، كما يرتفع أيضًا مستوى المواد الإخراجية السامة، على النحو الذي يسبب اضطرابًا في وظائف أعضاء الجسم.

تتمتَّع مَيا اليوم بصحة جيدة، إلا أنها واحدة من أشخاص يقدر عددهم بتسعة ملايين شخص حول العالم، يتعين عليهم أن يجابهوا المعاناة اليومية من النوع الأول من داء السكري، ويتحكموا بدقة في مستويات السكر والإنسولين في دمهم.

دفع الخوف عائلة أولستن إلى إخضاع ميكايلا للاختبار والتحاليل، بهدف رصد دلائل السكري، التي غالبا ما تسبق تطور المرض وظهور أعراضه فعليا. لم يكن في العائلة تاريخ سابق للإصابة بالسكري من النوع الأول، لكن أشقاء المصابين بهذا المرض يوضعون في عداد المعرضين بخطر الإصابة.

أظهرت النتائج وجود أربع من علامات داء السكري من النوع الأول التي كان يبحث عنها الأطباء؛ كل منها عبارة عن نوع معين من «الأجسام المضادة الذاتية» autoantibodies، التي تجعل الجهاز المناعي يهاجم الخلايا المنتجة للإنسولين في البنكرياس. أسفر الفحص أيضا عن اضطراب عمليات أيض السكر في جسم ميكايلا؛ ما يعني أن تقدُّم المرض باتجاه ظهور الأعراض كان جاريا بالفعل. وتشير تقديرات الأطباء إلى أن واحدا فقط من كل ثلاثة ممن هم في مثل حالتها يمكن أن يصل إلى المرحلة الثانوية من التعليم دون أن يكون قد أصيب فعليا بالسكري.

لكن ميكايلا تبلغ من العمر الآن إحدى وعشرين سنة، وتدرس فسيولوجيا التمارين الرياضية في جامعة بريجام يونج-أيداهو، بمدينة ركسبيرج، وتواصل حياتها بغير إصابة بالسكري؛ والفضل في ذلك يرجع على الأغلب إلى عقار يسمى «تبليزوماب» teplizumab.

يمثل «تبليزوماب» نموذجًا للعلاج بالأجسام المضادة؛ فهو يُبطِل نشاط الخلايا التائية التي تؤدي عمل القوات الهجومية في ترسانة الجهاز المناعي، وبالتالي تحُول بينها وبين تدمير خلايا «جزر لانجرهانز» التي تفرز الإنسولين في البنكرياس. في يوليو 2016، خضعت ميكايلا لبرنامج علاجي مدته أسبوعان، كجزء من تجربة إكلينيكية تهدف إلى معرفة ما إذا كان العلاج يمكن أن يساعد على تجنب الإصابة بالمرض.

وجدت الدراسة، التي شملت 76 شخصا2،1، وأجريت بين عامي 2011 و2018، أن ظهور أعراض السكري في الأشخاص الذين تلقوا العلاج قد تأخر حوالي خمس سنوات في المتوسط؛ وهو معدل يفوق مدة تأخر ظهور المرض بين الذين تلقوا علاجا صوريا، أي وهميًّا خاليا من المادة الفعالة (بلاسيبو)، بمقدار ثلاث سنوات.

تبلغ الفترة التي أمضتها ميكايلا متمتعة بجسمٍ بريء من مرض السكري، حتى الآن، ست سنوات ونصف السنة؛ بينما أمضى آخرون، ممن شملتهم الدراسة، عشر سنوات أو أكثر، قبل أن يحتاجوا إلى العلاج بالإنسولين، الذي يعد حاليا الوسيلة الوحيدة الفعالة للسيطرة على المرض. في نوفمبر من عام 2022، صرَّحت الجهات المختصَّة في الولايات المتحدة باستخدام «تبليزوماب» مع الأشخاص البالغين من العمر ثمانية أعوام أو أكثر، ممن يواجهون درجة معينة من خطر الإصابة بالمرض.

يقول آرون كوالسكي، الرئيس والمدير التنفيذي لمنظمة «جيه دي آر إف» JDRF، وهي منظمة بحثية غير هادفة للربح، تتخذ من مدينة نيويورك مقرا لها، وتركز على داء السكري من النوع الأول: "إنها خطوة كبيرة، بل هائلة، للأمام في هذا المجال"، ويضيف: "«تبليزوماب» هو أول علاج من نوعه على الإطلاق يستطيع أن يغير مسار تطور السكري من النوع الأول".

يُعَد «تبليزوماب» أيضا أول عقار تَثبُت فاعليته في تأخير ظهور مرض من أمراض المناعة الذاتية. ومن هنا، فلنا أن نرى في الرحلة البحثية الي أفضت إلى تطويره خارطة طريق، يمكن اتباعها لاكتشاف مستحضرات دوائية قادرة على تأخير ظهور أمراضٍ أخرى، أو الحيلولة دون الإصابة بها من الأصل، ومنها التهاب المفاصل الروماتويدي، والتصلب المتعدد.

لكن تحديد الأشخاص الذين يمكن أن يستفيدوا من مثل هذه العلاجات يظل أمرا صعبا؛ فالاستراتيجيات المثلى لإجراء عمليات المسح لم تتبلور بعد، والدلائل المميزة لفترة ما قبل ظهور الأعراض لكل مرض ليست معروفة جيدا. يضاف إلى ذلك أن «تبليزوماب» لا يوفر سوى إرجاء مؤقت لظهور داء السكري من النوع الأول؛ ومن ثم يحتاج الباحثون إلى العثور على طرق أفضل.

لذلك، يقول جاي سكايلر، المتخصص في الغدد الصماء بجامعة ميامي في فلوريدا، إنه حتى إذا كان العاملون في هذا المجال "يحتفون بالحصول على ترخيص استخدام «تبليزوماب»، فإن هذا لا يعني أننا أنجزنا كل شيء"، ويضيف: "لا يعني ذلك سوى أننا صرنا على أول الطريق".

من العلاج إلى الوقاية

ترجع أصول العقار «تبليزوماب» إلى شركة أدوية مقرها نيو جيرسي، تسمى «أورثو فارماسيوتيكال» Ortho Pharmaceutical. في تلك الشركة، تمكن العلماء من تخليق نسخة أولى من الجسم المضاد، الذي أطلقوا عليه: «أو كيه تي3» OKT3. تَبينَ أن هذا الجزيء، المأخوذ أصلا من الفئران، قادر على الارتباط بأسطح الخلايا التائية، والحد من قدرتها على قتل خلايا البنكرياس3. في عام 1986، صرَّحت السلطات باستخدام OKT3 في المساعدة على منع رفض الأعضاء في عمليات زرع الكلى؛ مما يجعل منه أول جسم مضاد علاجي يُسمح باستخدامه في علاج البشر.

لكن OKT3 تسبب في بعض المشاكل؛ فقد أدى تعاطي جرعات مرتفعة منه إلى إحدى المضاعفات التي تهدد الحياة، وتعرف باسم متلازمة إطلاق الـسيتوكينات (cytokine release syndrome). ولأن العقار مأخوذ من الفئران، فإن الجهاز المناعي البشري قد يقاومه؛ الأمر الذي يقلل من فاعلية العقار بمرور الوقت. وعندما أدخل باحثون من خارج الشركة تعديلات على البنية الكيميائية للعقار، ظهر «تبليزوماب» إلى حيز الوجود.

دخل العقار مضمار التجارب الإكلينيكية عام 1999، كعلاج للأشخاص الذين شُخِّصَتْ إصابتهم حديثًا بالسكري من النوع الأول. في دراسة صغيرة4، أجريت بقيادة كيفان هيرولد، المتخصص في علم المناعة، ويعمل حاليا بكلية طب ييل، في نيو هيفن بولاية كونيتيكت الأمريكية، وجد أن برنامجًا علاجيا واحدا يمكن أن يساعد الأشخاص في المحافظة على نشاط إفراز الإنسولين، أو حتى تعزيز هذا النشاط، لمدة سنوات.

لكن تجربة أجريت للمتابعة على نطاق أوسع مُنيت بالفشل. وَجدَ الباحثون في تلك التجربة أن «تبليزوماب» ليس أفضل من العلاج الصوري، لا من حيث تقليل استخدام الإنسولين، ولا من حيث ضبط مستويات سكر الدم5. تبين أيضا أن فاعلية عقار مشابه آخر، يسمى «أوتيليكسيزوماب» otelixizumab، ليست أفضل من فاعلية «تبليزوماب»6؛ فانتهى الأمر إلى التخلي عن استخدام العلاجين.

أشاعت هذه الواقعة إحباطًا كبيرًا في نفوس الباحثين في مجال مرض السكري. لكن هيرولد لم يكن مستعدا للاستسلام.

بالمزيد من الدراسة، اكتشف هيرولد وزملاؤه أن العقار نجح بالفعل في إضعاف الخلايا التائية التي تستهدف جزر لانجرهانز7، وأصابها بما يشبه الإنهاك الجزئي؛ الأمر الذي حمى البنكرياس من تكثيف هجمات الخلايا التائية عليه. إضافة إلى ذلك، بينت الدراسات أن كثيرا من الأشخاص يستفيدون – على ما يبدو – من العلاج، خصوصا صغار السن، أو الذين كانوا في المراحل الأولى من المرض.

اعتقد هيرولد أنه إذا كان العقار يؤتي أفضل نتائجه مع هذه الفئات من المرضى، فإنه ربما يكون أعظم فائدةً إذا تم إعطاؤه لهم قبل ظهور الأعراض. ومن هنا، قاد هيرولد، في عام 2011، دراسة ركزت على بحث التأثيرات الوقائية المحتملة لعقار «تبليزوماب»؛ وهي الدراسة التي تم في إطارها إعطاء العلاج لميكايلا، وآخرين كانوا معرضين لخطر الإصابة بالسكري.

كان لنتائج تلك الدراسة الفضل في تشجيع إدارة الغذاء والدواء الأمريكية على اتخاذ قرارها في عام 2022 بالترخيص باستعمال «تبليزوماب» مع الأشخاص في المرحلة الثانية من المرض؛ أي الذين لم تُشخَّص بعدُ إصابتهم بالسكري، ولكن يوجد في أجسامهم اثنان أو أكثر من الأجسام المضادة التي تعمل ضد خلايا الجزر في البنكرياس، وتظهر عليهم أعراض التغير في أيض السكريات.

إرجاء مؤقت للمرض

في إطار تجربة إكلينيكية، أُعطي «تبليزوماب» لفتاةٍ من مدينة روشستر بولاية نيويورك، تُدعى كلير ويرت، وتبلغ من العمر حاليا 16 عامًا، ومضَتْ سبع سنوات إلى الآن دون أن تظهر عليها أعراض داء السكري من النوع الأول، وما زالت تواصل حياتها في منأًى عن هذا المرض. تقول ويرت: "إن العلاج يتيح للمرء أن يستمتع بالكثير من خبرات الطفولة، بعيدا عن القيود التي يفرضها التعامل مع مرض السكري على مدار الساعة". من الناحية البيولوجية، إذا تأخَّر المرض فمن الممكن أن يقلل ذلك من الضغوط التي يفرضها ارتفاع مستوى سكر الدم على الأوعية الدموية، والأعصاب، والأجهزة العضوية الأخرى؛ وهي الضغوط التي تتعاظم بمرور الوقت.

لكن إعاقة تطور المرض هدف باهظ التكلفة؛ فالمقرر العلاجي الواحد يتكلف حوالي 194 ألف دولار أمريكي، وهذا الثمن لا يشمل تكلفة الحَقْن، أو عمليات المسح التي تستهدف العثور على الأشخاص الذين يمكنهم الاستفادة من العلاج.

شَكَّكَ بعض الباحثين في جدوى العلاج من الناحية الاقتصادية. لكن هناك من يدافع عن قرار تحديد هذا السعر؛ مثل أشلي بالمر، المشارك في تأسيس شركة العقاقير المعروفة باسم «بروفنشن بيو» Provention Bio، ومقرها مدينة ريد بانك، بولاية نيو جيرسي، والمدير التنفيذي لها. حصلت الشركة في عام 2018 على حقوق إنتاج «تبليزوماب». يقول بالمر: "ما نفعله في مستحضراتنا الدوائية سيغير قواعد اللعبة"، ويضيف: "ولا أرى سببا لعدم وضع سعر ملائم للمنتج".

يتنبأ المحللون بأن المبيعات العالمية السنوية من عقار «تبليزوماب» يمكن أن تزيد على 250 مليون دولار أمريكي، إذا بيع كعلاج وقائي، إضافة إلى قرابة 1.5 مليار دولار، أو نحو ذلك، إذا صُرِّح باستخدامه للمصابين بالمرض في مرحلته الثالثة. لتحقيق هذا الغرض، تقوم الشركة بإجراء تجربة، تشمل 300 شخص، بهدف اختبار فاعلية العقار بين الأطفال والمراهقين المصابين حديثًا بالنوع الأول من مرض السكري.

وفي الأثناء، تتركز أنظار العاملين في مجال الصناعات الدوائية حاليا على المبيعات في الولايات المتحدة. إذا استطاعت شركة «بروفنشن بيو»، وشريكتها في التسويق، عملاقة الدواء الفرنسية «سانوفي» Sanofi، أن تُحققا ربحا، فإن ذلك سيشجع شركات أخرى كثيرة على البدء في استكشاف العقاقير الوقائية. لكن تطوير التجارب الخاصة بالمناعة الذاتية يظل عملا محفوفا بالمخاطر، ومستهلكا للوقت، ومرتفع التكلفة، بحسب ما تقول جيسيكا دون؛ وهي متخصصة في داء السكري من النوع الأول، وسبق لها أن قادت دراسات المسح والوقاية في منظمة «جيه ي آر إف»، وشركة «جانسين» Janssen، ومقرها مدينة راريتان، بولاية نيو جيرسي.

تقول دون: "لهذه الأسباب، يمكن للخبرات المكتسبة من عقار «تبليزوماب» أن تساعد قليلا على توجيه دفة الأمور".

في عام 2022، أغلقت شركة «جانسين»، التي كانت قد دشنت وحدة طموحة لإيقاف المرض في عام 2015، قسمها الخاص بالسكري من النوع الأول بالكامل، تحت ذريعة تغيُّر الاستراتيجية العلمية، بحسب ما يقول برايان كيني، المتحدث باسم الشركة. لكن بعض الأسماء الأخرى الكبيرة في مجال صناعة الدواء تخطط لاختبار عقاقير تجريبية أخرى خاصة بالسكري، أُنتجَتْ كأدوية وقائية، اعتمادًا على ما أرساه «تبليزوماب» من معايير للنجاح التنظيمي والإكلينيكي.

في تعليقٍ أدلَتْ به يونا فيسلي، رئيسة وحدة بحوث داء السكري من النوع الأول وأمراض الكلى المزمنة في شركة «نوفو نورديسك» Novo Nordisk، التي تقع إدارتها في ضاحية باجسفيرد، بالدانمارك، قالت: "لقد بيَّن «تبليزوماب» لمطوري العقاقير إمكانية تغيير مسار المرض، لمدد طويلة، ولها أهميتها بالنسبة لحاملي المرض".

طريق طويل

العقار الرئيسي الذي أنتجته «نوفو نورديسك»، للوقاية من النوع الأول من مرض السكري، هو عبارة عن مركب علاجي، مُشَفَّرٌ على الحمض النووي، ومصمَّم خصيصا لكي يمنع الجهاز المناعي من مهاجمة خلايا البنكرياس8. وبالمقارنة مع «تبليزوماب»، الذي يستهدف كل الخلايا التائية بغض النظر عن وظيفتها، يعد العقار الذي تنتجه «نوفو نورديسك» عقارا مُحكما من حيث التركيب، ومصمَّما خصيصا لاستهداف الخلايا التائية التي تهاجم خلايا البنكرياس المنتجة للإنسولين؛ الأمر الذي ترى فيسلي أنه يمكن أن تكون له فوائد خاصة بالأمان والفاعلية.

تقول فيسلي إنه بمجرد أن تحدد الشركة الجرعة المعقولة للمصابين بالنوع الأول من السكري، فإن التطوير القادم يمكن أن يتضمن إجراء تجربة لقياس الفاعلية الوقائية للعقار لدى الأشخاص المصابين بالمرحلة الثانية من المرض.

وكذلك تعكف مجموعات بحثية أكاديمية على تقييم فعَّالية عدة عقاقير أخرى بنفس الطريقة. من هذه العقاقير، علاجات تستهدف الخلايا التائية، مثل البروتين المعروف باسم الجلوبيولين المضاد للثايموسايت anti-thymocyte globulin، الذي يستخدم حاليا لمنع رفض الأعضاء. ومنها أيضا عقاقير تعمل على تعزيز القدرات البنكرياسية، والمحافظة عليها، بشكل مباشر.

على أن التدخل في المرحلة الثانية من المرض ربما يكون تدخلا متأخرا أكثر من اللازم، ولا يفعل أكثر من تأخير المرض المحتوم لبعض الوقت. يقول رتشارد إنسِل، المسؤول العلمي الرئيسي السابق في «جيه دي آر في»: "كلما تمكنت من الوصول إلى هدفك مبكرا، ازداد احتمال قدرتك على إيقاف المرض وهو في طريقه". تجرى حاليا بعض التجارب لاختبار تأثير العقار في أشخاص في المرحلة الأولى من المرض؛ وهي المرحلة التي تكون فيها الأجسام المضادة ذات الصلة بالمرض موجودة في الدم، لكن أيض سكر الدم لم يتأثر بعد.

تتناول تجارب أخرى مراحل تسبق المرحلة الأولى، بحثا عن علاجات يمكن إعطاؤها للأطفال الرضع، المعرضين لخطر الإصابة بمرض السكري من النوع الأول. عمل الباحثون في هذا الصدد على فحص تأثير التغيرات الغذائية على الأطفال؛ بإعطاء الأطفال معززات حيوية بكتيرية، وتطعيمهم ضد فيروسات معينة، مثل الفيروس المعروف باسم «كوكساكيفيروس بي» coxsackievirus B، وهو من الميكروبات التي يبدو أنها تحفز ظهور أعراض النوع الأول من السكري. غير أن أفضل النتائج التي تحققت حتى الآن، كانت نتائج علاج الأطفال بالإنسولين، على هيئة مسحوق يعطى عن طريق الفم؛ وهو العلاج الذي يساعد على تدريب الجهاز المناعي على عدم مهاجمة خلايا الجسم المنتجة للإنسولين.

في تجارب أجريت في فترة عمرية مبكرة، تبين أن الأطفال الذين تلقوا الإنسولين عن طريق الفم مع إفطارهم استطاعت أجسامهم أن تطور نوعا خاصا من الخلايا المناعية، يعرف باسم الخلايا التائية التنظيمية؛ وهي خلايا تعمل كخط دفاع ضد هجمات المناعة الذاتية في المستقبل9. وثمة تجربة أكبر قيد الإجراء حاليًا، بُغية التحقق من هذه النتيجة.

اختيار الهدف تلقائيًا

ليس المجتمع العلمي المهتم بالنوع الأول من السكري هو الطرف الوحيد الذي يتطلع إلى الوقاية من أمراض المناعة الذاتية. لقد ظل المهتمون بعلاج أمراض المناعة الذاتية، كالتهاب المفاصل الروماتويدي والتصلب المتعدد، يراجعون مجريات الدراسات المتعلقة بالوقاية من النوع الأول من السكري، ضمن مساعيهم الرامية إلى اكتشاف عوامل يمكن أن توقف تلك الأمراض.

يقول بول إيمري، المتخصص في الأمراض الروماتزمية بجامعة ليدز في المملكة المتحدة: "يعد داء السكري من النوع الأول نموذجنا المفضل، لأمراض المناعة الذاتية".

إذا ما وُضعت التعريفات الواضحة لما يعنيه أن يكون الشخص في حالة ما قبل المرض، وحُددت المراحل المختلفة للمرض، والعلامات التشخيصية التي قد تسمح بإجراء دراسات فعالة للوقاية، فمن شأن ذلك كله أن يقع في صلب استراتيجيات التعامل مع التهاب المفاصل الروماتويدي، والتصلب المتعدد.

وقد حقق اختصاصيو الروماتيزم بعض النجاح في إيقاف تطور المرض، بالاعتماد على عامل يُبطِل نشاط الخلايا التائية، يسمى «أباتاسبت» abatacept، وأجروا دراسة أولية10 تَبيَّن منها أن العقار يقلل التهاب المفاصل، ويؤخر تطور التهاب المفاصل الروماتويدي لدى الأشخاص المعرضين لخطر الإصابة. وفيما يتعلق بالتصلب المتعدد، تمكن أطباء معالجون من التوصل إلى عقار تم إخضاعه لاختبارات أولية، وتَبين أنه يمنع الأعراض العصبية لدى الأشخاص الذين تظهر عندهم دلائل مبكرة على وجود إصابات عصبية في المخ11.

في وقت متأخر من عام 2022، نشر فريق علمي يقوده دارين أوكودا، عالم الأعصاب بمركز جنوب غرب تكساس الطبي، في مدينة دالاس، التابع لجامعة تكساس، نتائج دراسة أجريت على عقار مضاد للالتهاب، يسمى «ثنائي ميثيل فيوماريت» dimethyl fumarate. تشير النتائج إلى أن إعطاء هذا العقار لأشخاص تُظهِر الأشعة وجود اختلالات في أدمغتهم ساعد على تقليل خطر الإصابة بالتصلب المتعدد بنسبة تزيد على 80%، مقارنة بالأشخاص الذين تم إعطاؤهم دواء صوريا11. امتدت التجربة على مدار 22 شهرا، ووجد الباحثون أن ثلاثة أشخاص فقط أصيبوا بالتصلُّب المتعدد من بين 44 شخصا عولجوا بالعقار، في حين أصيب بالمرض أربعة عشر شخصا من 43 شخصا تعاطوا دواء صوريًّا.

يقول أوكودا: "لم أكن لأطمح إلى نتيجة أفضل".

يمثل تعقيد التجارب الإكلينيكية إحدى الصعوبات التي تواجه تطوير مثل هذه العقاقير. ففي البداية، يتعين على الباحثين العثور على أشخاص ملائمين للمشاركة في التجربة، إما عن طريق فحص الدلائل المبكرة للمرض، أو فحص العوامل الوراثية التي تشي بخطر الإصابة. بعد ذلك، يتعين على الباحثين أن ينتظروا سنوات بعد العلاج، ليعرفوا من الذي تطورت لديه أعراض المرض.

يقول مايكل هولر، المتخصص في الغدد الصماء للأطفال في جامعة فلوريدا بمدينة جينسفيل الأمريكية: "تطُول هذه التجارب إلى حد التعجيز".

غير أن النجاح في مجال علاج داء السكري من النوع الأول يمكن أن يساعد كثيرا. يقول هولر: "أعتقد أنه بفضل «تبليزوماب»، سوف يخضع الكثيرون للفحص، وسيكثر عدد الأشخاص المهتمين بالمشاركة في التجارب".

يعد إجراء المسح، بهدف اكتشاف الأجسام المضادة الذاتية، وعوامل الخطورة الأخرى، أمرا غير معتاد في معظم أنظمة الرعاية الصحية؛ لذلك، فإن أغلب جهود الخدمات وعمليات المسح تركز على العائلات المصابة بالنوع الأول من السكري. ومن أجل ذلك، أُجريَتْ تحاليل الدم لكل من ويرت وميكايلا، وستكون تلك المجموعة التي تضم هاتين الفتاتين، هي الهدف الذي ستتوجه إليه شركتا «بروفنشن بيو» و«سانوفي» في تسويقهما الأولي لعقار «تبليزوماب».

لكن حوالي 15% فقط من مجمل الأشخاص الذين شُخِّصَتْ إصابتهم بالنوع الأول من داء السكري لديهم تاريخ عائلي سابق في الإصابة بالمرض؛ ولذلك، يدرس الباحثون عددا من الطرق اللازمة لتوسيع نطاق عمليات المسح.

التحرك قبل وقوع المشكلة

يفضل البعض أن يتم تُجرى التحاليل على جميع الأطفال للكشف عن الأجسام المضادة الذاتية المرتبطة بمرض السكري. يمكن إجراء ذلك في عُمْرَين محددين في فترة الطفولة المبكرة، وليكن مثلا في عمر سنتين وست سنوات، عندما يكون احتمال اكتشاف الدلائل المناعية مرتفعا. وقد شرع أطباء إسرائيل في الأخذ بهذه الطريقة، بإجراء فحص شامل لآلاف الرضع.

لا يزال «تبليزوماب» غير متوفر في إسرائيل؛ لذلك يجري تركيز الجهود باتجاه الوقاية من المضاعفات الشديدة، بحسب ما يقول موشيه فيليب، المتخصص في الغدد الصماء بمركز شنايدر لطب الأطفال في بتاح تكفا، الذي يقود هذه الجهود. بيَّنت الدراسات أن الأطفال الذين تشملهم عمليات المسح، ويخضعون للمتابعة بعد ذلك، ينخفض معدل تعرضهم لخطر «التسمم الكيتوني الحمضي» بعد إصابتهم بالنوع الأول من داء السكري إلى العُشْر (انظر، على سبيل المثال، المرجع رقم 12). يقول فيليب: "تعد هذه النتيجة وحدها سببا جيدا لمواصلة عمليات المسح".

يعتقد آخرون أن اختبار الحمض النووي لبقع الدم، التي يتم جمعها عند الولادة، ربما يمثل البداية الأفضل. تقول كرستينا كاستِلز، المتخصصة في الغدد الصماء للأطفال في مستشفيات لوفن الجامعية (UZ Leuven) في بلجيكا: "يمكننا، بالاعتماد على علم الوراثة، أن نسبق الأجسام المضادة الذاتية بخطوة".

أجرت كاستِلز وزملاؤها، بهذه الطريقة، مسحا وراثيا للأطفال في مختلف أرجاء أوروبا، شمل أكثر من 100 ألف طفل من حديثي الولادة؛ بهدف العثور على النسخ الجينية التي ترفع احتمالات الإصابة بالنوع الأول من مرض السكري. كذلك فإن الآباء والأمهات المعرضين لمعدلات مرتفعة من خطر الإصابة، جرى منح أطفالهم فرصة للمشاركة في تجارب الوقاية المبكرة، باستخدام المعززات الحيوية أو الإنسولين الفموي. وفي دول أخرى، يُستعان باختبارات الأجسام المضادة الذاتية في متابعة الأطفال حديثي الولادة، الحاملين لجينات تنم عن ارتفاع خطر إصابتهم بالمرض.

لهذه الطرق مزايا وعيوب. من عيوبها، مثلا، أن اختبارات الأجسام المضادة الذاتية لا تخضع لمعايير قياسية؛ ومن ثم فيمكن أن تختلف في مدى دقتها، بحسب ما تقول كِمبر سيمونز، المتخصصة في الغدد الصماء للأطفال، بمركز باربرا ديفيس للسكري، التابع لجامعة كولورادو، في مدينة أورورا. وتقول كارلا جرينباوم، الباحثة في مجال السكري، بمعهد بينارويا للبحوث في سياتل، بولاية واشنطون، إنه في ظل محدودية الموارد المخصصة لإرشاد الناس، بمن فيهم الأطباء، حول ما يمثله كون الشخص معرضا لخطر الإصابة بالسكري من النوع الأول، فإن الجهود المسحية الموسعة، يمكن أن تتسبب في ضغوط زائدة عن الحد، أو تفضي إلى سوء إدارة الإجراءات الإكلينيكية، على الأقل في المستقبل القريب.

أضف إلى ذلك كله تكلفة تنفيذ المسح، وتكلفة عملية العلاج بالعقاقير نفسها؛ كما أنه ليس من الواضح ما إذا كانت أنظمة الرعاية الصحية مجهزة للوقاية من النوع الأول من داء السكري على نطاق واسع، أم لا.

على أن شيئًا من هذا لا يشغل بال ميكايلا، التي تقول: "في هذه المرحلة، لا أشعر سوى بالامتنان، كوني لم أُصَبْ بعد بالسكري"، وتضيف: "أعرف أنني سأصاب بالمرض لا محالة في نهاية المطاف، وأنا مستعدة لذلك. أما في اللحظة الراهنة، فأنا فقط أستمتع بحياتي".

 

إيلي دولجين: صحفي علمي يقيم في سمرفيل، بولاية مساتشوستس الأمريكية.

 

 

 

doi:10.1038/nmiddleeast.2024.13


1. Sims, E. K. et al. Sci. Transl. Med. 13, eabc8980 (2021).

2. Herold, K. C. et al. N. Engl. J. Med. 381, 603–613 (2019).

3. Kung, P. C., Goldstein, G., Reinherz, E. L. & Schlossman, S. F. Science 206, 347–379 (1979).

4. Herold, K. C. et al. Clin. Immunol. 132, 166–173 (2009).

5. Sherry, N. et al. Lancet 378, 487–497 (2011).

6. Aronson, R. et al. Diab. Care 37, 2746–2754 (2014).

7. Long, A. S. et al. Sci. Immunol. 1, eaai7793 (2016).

8. Pagni, P. P. et al. Diabetes 71, 157–169 (2022).

9. Bonifacio, E. et al. JAMA 313, 1541–1549 (2015).

10. Rech, J. et al. Ann. Rheum. Dis. 81 (Suppl. 1), 526–527 (2022).

11. Okuda, D. T. et al. Ann. Neurol. https://doi.org/10.1002/ana.26555 (2022).

12. Ziegler, A.-G. et al. JAMA 323, 339–351 (2020).