مقالات

أكثر من 4000 مادة كيميائية موجودة في البلاستيك هي مواد خطرة

نشرت بتاريخ 18 أبريل 2024

مساعي الباحثين طيلة عام تتمخض عن قاعدة بيانات شاملة تحصر المواد الكيميائية الموجودة في البلاستيك.

نيقولا جونز

معروف أن الأغلفة البلاستيكية تسرّب بعض المواد الكيميائية إلى الطعام.
معروف أن الأغلفة البلاستيكية تسرّب بعض المواد الكيميائية إلى الطعام.
Credit: Carl Court/Getty

أمضى العلماء المموَّلون من «مجلس البحوث النرويجي» عامًا في فحص التقارير العلمية وقواعد البيانات الرقابية الوطنية، فتكللتْ جهودهم بقائمة قوامها أكثر من 16 ألف "مادة كيميائية بلاستيكية" – ما بين المركبات الموجودة في البلاستيك أو تلك التي يُعتقد أنها مستخدمة فيه، بما فيها مكوناته الخام والمواد المضافة، كالمواد المثبتة والمواد الملونة.

وتوصل الفريق البحثي إلى أنه من بين هذه المواد، يوجد ما لا يقل عن 4200 مادة تتسم "إما بقدرتها على البقاء في النظام لفترة طويلة، أو بالتراكم الحيوي أو بالقابلية للتنقل أو بأنها سامة، أو بجميع هذه السمات". يقول مارتن واجنر، المؤلف الرئيس للدراسة وأخصائي السموم البيئية بالجامعة النرويجية للعلوم والتكنولوجيا في تروندهايم: "هذا أمر صادم". اكتشف الفريق أيضًا عدم توفر بيانات المخاطر الخاصة بما يزيد عن 10 آلاف مادة كيميائية، علاوة على أكثر من 9 آلاف مادة لا يُعرف في أي مواد بلاستيكية تُستخدم.

ومن الصعوبة بمكان الحصول على معلومات موثوقة عن هذه المواد الكيميائية جميعها؛ وأحد أسباب هذا أن الصناعة لا تبوح دائمًا بالمعلومات الخاصة بالملكية، على حسب قول واجنر. يقول الباحثون إن هذا يزيد من أهمية مساعي جمْع البيانات المعروفة. ومن جانبها تقول بيثاني كارني ألمروث، الباحثة في مجال علم السموم الإيكولوجية بجامعة جوتنبرج في السويد التي لم تشارك في مساعي تجميع هذا التقرير: "يعد هذا التقرير هو الأشمل حتى يومنا هذا". وتضيف قائلة: "الأرقام الواردة فيه صادمة".

وجدير بالذكر أن التقرير صدر في الرابع عشر من مارس الماضي، أي قبيل الدورة التالية من مفاوضات معاهدة الأمم المتحدة بشأن تلوث البيئة بالبلاستيك حول العالم. ويعقد العلماء الحملات من أجل المعاهدة – التي تتناول كافة جوانب إنتاج البلاستيك وإدارة المخلفات – لحثها على إدراج قائمة من البوليمرات البلاستيكية والمواد الكيميائية الإشكالية، التي يُعرف بعضها بأنه يتسرب إلى الطعام والمياه والبيئة، مخلِّفًا آثارًا سلبية على صحة الإنسان والنظم الإيكولوجية. ولسوف تتوالى المناقشات بشأن المعاهدة في أوتاوا في شهر أبريل الجاري، ومن المزمع أن تختتم المعاهدة أعمالها في بوسان بكوريا الجنوبية في شهر ديسمبر المقبل.

ويشير التقرير إلى أنه رغم خضوع قرابة 1000 مادة كيميائية إشكالية للضوابط التي تفرضها مبادرات عالمية، مثل «اتفاقية استكهولم بشأن الملوثات العضوية الثابتة»، فلا يزال هناك أكثر من 3600 مادة حرة طليقة لا تخضع لتلك الضوابط. ويدرج مؤلفو التقرير هذه المواد ضمن "قائمة حمراء"، يرون أنها ينبغي أن تخضع لضوابط تنظم استخدامها. يقول واجنر، عضو «تحالف العلماء من أجل معاهدة بلاستيك فعالة»، وهو عبارة عن مجموعة مستقلة من العلماء العاديين تشكلتْ لتوجيه دفة تدابير المعاهدة: "الرسالة واضحة وضوح الشمس". ويضيف قائلًا: "نحن في انتظار حدوث تغيير ما في إدارة هذه المواد"، مع أن مؤلفي التقرير لا يريدون تجريم استخدامها؛ فلا يحثون مفوضي المعاهدة على تحريم استخدامها أو فرض غير ذلك من الضوابط.

ولم تستجب «رابطة صناعة البلاستيك» – وهي مجموعة مقرها واشنطن العاصمة وترمي إلى "حماية صناعة البلاستيك، والترويج لها، وإنمائها" – لطلب دورية Nature التعليق على ذلك. وجاء في بيان لكيمبرلي وايز، نائب رئيس الشئون التنظيمية والتقنية بـ«مجلس الكيمياء الأمريكي» (ACC)، مجموعة تجارية مقرها العاصمة واشنطن وتمثل شركات الصناعات الكيميائية في الولايات المتحدة: "إن الإضافات البلاستيكية تدرّ منافع ضرورية عدة من شأنها أن تعزز وظيفة المنتجات البلاستيكية وقدرتها على التحمل، ما يمكّننا من فعل المزيد بأقل القليل... للأسف، تقرير اليوم يسعى إلى تقديم إطار للمخاطر، متجاهلًا تهديدات التعرض للمخاطر من واقع الحياة، وطارحًا صورة منقوصة للهيئات التنظيمية والعامة".

مخاطر نافذة

كثير من المحاولات التي ترمي إلى ضبط المواد الكيميائية، مثل «قانون مراقبة المواد السامة» لعام 1976 في الولايات المتحدة، تتبنى نهجًا يستند إلى تقدير المخاطر، فيها تُقيَّم المادة الكيميائية بناء على مخاطرها واحتمالية التعرض لها. غير أن مؤلفي التقرير الذي بَيْن أيدينا يستعيضون عن ذلك بأسلوب أكثر توخيًّا للحذر يعتبر المخاطر فحسب، وأحد أسباب ذلك هو أن المواد البلاستيكية متغلغلة في كل شيء وواسعة الانتشار بدرجة يمثل معها تقييم التعرض إشكاليةً لوجيستية. تؤيد ميريام دايموند، أخصائية الكيمياء البيئية بجامعة تورنتو بكندا، هذه المقاربة الأخيرة فتقول: "هذا أمر ضروري".

وأما واجنر فقد هاله عدد المواد الكيميائية الإشكالية الذي توصل إليه الفريق، ومدى انتشارها. يقول واجنر: إن كثيرًا من الباحثين وغير الباحثين قد ناقشوا من قبل مسألة أن معظم المواد الكيميائية الإشكالية كانت "مركبات موروثة"، ولم تعد مستخدمة فعليًّا في إنتاج البلاستيك، على أن فريقه أمسك بأدلة دامغة على أن الكثير جدًا منها لا يزال قيد الاستخدام؛ فيضيف قائلًا: "وجدنا أكثر من 400 مادة إشكالية تدخل في تصنيع كافة أنواع البوليمرات الرئيسية، وهو أمر لم يكن متوقعًا".

وبالنظر إلى الارتفاع المهول في عدد المواد الكيميائية الإشكالية وغياب البيانات حول الكثير منها، عمد الفريق إلى تقسيمها إلى 15 مجموعة باعتبارها تستحق الأولوية في العمل. وتشمل هذه المجموعات الفثالات (التي تُستخدم عادة في إكساب بولي كلوريد الفاينيل المزيد من المرونة)، والبيسفينولات (المستخدمة في تصنيع بولي كربونات متينة).

يوصي التقرير أيضًا بحثِّ الشركات على أن تكون أكثر شفافية حيال مكونات المواد البلاستيكية التي تصنعها بغيةَ سد الكثير من الفجوات المعلوماتية؛ فتقول كارني ألمروث: "يستحيل الحد من المخاطر التي تهدد البيئة أو الإنسان وهذه الفجوات المعرفية موجودة، والسماح باستمرار هذا الوضع هو استهتار جسيم من قِبل [صنّاع السياسات]".

ويقول وايز في بيان «مجلس الكيمياء الأمريكي»: "إن تشديد التقرير على ضرورة زيادة الشفافية يبعث على التفاؤل". "ومن جانبه، يدعم «المجلس الدولي للجمعيات الكيميائية» (ICCA) هذه الجهود، ويعكف بالفعل على تطوير قاعدة بيانات بالمواد المضافة، إلى جانب إطار عمل لتقييم المخاطر بغرض تزويد الهيئات التنظيمية حول العالم بالمعلومات الضرورية".

ويقول واجنر إن العلماء يمكنهم أن يلعبوا دورًا باكتشاف مخاطر المواد الكيميائية التي لا تتوافر بيانات عنها، وإجراء تحليلات شاملة حول المركبات المدروسة جيدًا. ويضيف أن العالم بحاجة أيضًا إلى تقنيات تحليلية أكثر دقة، مثل الاختبارات البيولوجية المتطورة التي تقيس تأثير المواد الكيميائية على الكائنات الحية.

وما من مؤشرات واضحة تؤكد ما إذا كانت معاهدة البلاستيك سوف تتمم أعمالها في ديسمبر المقبل؛ فحتى الآن يعرقل المفاوضات عددٌ من الدول التي لديها صناعات بتروكيميائية، والتي تقاوم الضوابط الصارمة المفروضة على إنتاج البلاستيك، على حد قول واجنر الذي يضيف: "نحن أمام طريق مسدود إن جاز التعبير. أرى أن الأدلة واضحة وضوح الشمس. كل ما هنالك أنه يتعين على الحكومات أن تدبر أمورها وتنظمها لتصبح أكثر فاعلية".

 

 

doi:10.1038/nmiddleeast.2024.123