أخبار

الذكور ليست أكبر حجمًا في غالبية أنواع الثدييات

نشرت بتاريخ 10 أبريل 2024

دراسة جديدة تصحح فرضية منحازة، روج لها تشارلز داروين قبل 150 عامًا، وظهرت مرارًا منذ ذلك الحين.

رايتشيل نيووَّر

صورة لعدد من أحصنة الكاماراج
صورة لعدد من أحصنة الكاماراج
Credit: USO/Getty Images

يفترض تشارلز داروين في كتابه «أسلاف الإنسان» The Descent of Man أن غالبية أنواع الثدييات، تتسم فيها الذكور بحجم أكبر من الإناث. ورغم أن داروين لم يورد دليلًا لدعم هذا الزعم، اعتُمد منظوره لازدواجية الحجم الشكلية الجنسية على أنه حقيقة، ولا يزال هو المنظور السائد اليوم.

غير أنه يبدو أن داروين أخطأ في هذه الحالة. إذ أظهرت دراسة نُشرت في دورية «نيتشر كوميونيكيشنز» Natue Communications لـ429 نوعًا من الثدييات أن 45% فقط من هذه الأنواع اتسمت ذكورها بحجم أكبر من الإناث، وأن عددًا شبه مكافئ من الأنواع، يشكل نسبة قوامها 39%، تتسم ذكوره وإناثه بحجم متماثل تقريبًا، في حين أن الإناث كانت أكبر حجمًا من الذكور في 16% من الأنواع.

في ذلك الصدد، تقول مؤلفة الدراسة كايا تومباك، وهي متخصصة في البيولوجيا التطورية بعد مرحلة الدكتوراة من جامعة بيردو: "ثمة حالة من الركون بقوة إلى السردية القائلة بأن الذكور أكبر حجمًا من الإناث، إلا أنها تستند فقط إلى زعم داروين غير القائم على أساس من الصحة، والذي لا يدعمه دليل". وصمود هذه السردية لوقت طويل "قد يعكس الانحيازات المجتمعية الغربية التي تميل إلى تناوُل القضايا من زاوية نظر ذكورية".

وجدت تومباك نفسها تجري الدراسة بمحض الصدفة بعدما شرعت مع بعض الباحثين الآخرين في منتدى عبر الإنترنت في مناقشة العوامل التي تشكل سلوك العدوانية في الذكور والإناث في الأنواع التي تكون فيها أحجام الجنسين متماثلة. لم يفطن أحد إلى الجواب، فقررت تومباك السعي إلى البحث عنه. غير أنها سرعان ما أدركت أنه سيتحتم عليها التصدي لمشكلة أخرى. فأولًا، وُجد نقص في البيانات الموثوقة حول أعداد الأنواع التي تتسم فيها الذكور والإناث بحجم متماثل. وقد تحول سعيها إلى كشف الجواب إلى "شغف بمشروع دراسة خلال جائحة كوفيد"، استغرق منها ثلاث سنوات، خلا فترة عملها السابق كباحثة في مرحلة ما بعد الدكتوراة في كلية هانتر التابعة لجامعة مدينة نيويورك.

وجدت تومباك أن غالبية الدراسات السابقة التي قارنت بين أحجام الذكور والإناث لم تتناول إلا متوسط كتلة الجسم لكل من الجنسين، وخلص مؤلفوها من ذلك إلى أيما نقطة منشودة أرادوا منها حسم وجود اختلاف من عدمه، ما تعلق عليه تومباك قائلة: "كانت استنتاجات عشوائية". وكل هذه الأوراق البحثية تقريبًا عززت قوة منظور داروين الزاعم بأن الذكور أكبر حجمًا من الإناث في الثدييات.

غير أن تومباك وفريقه البحثي وجدوا ورقة بحثية واحدة، انشقت بوضوح عن هذا المسلك في الاستنتاج الذي خلص إليه مؤلفوها. كانت دراسة أُجرتها عام 1976 عالمة البيولوجيا كاثرين رالز. وقد درست أنماط الأحجام عبر مختلف رتب الثدييات، ووجدت أن غالبية الأنواع لم تظهر ازدواجية حجم جنسية، كما شاعت على غير المتوقع الحالات التي كانت فيها الإناث أكبر حجمًا من الذكور. إلا أن نتائج رالز كثيرًا ما غُض الطرف عنها أو أُسيء تفسيرها، حسبما أفادت تومباك، التي أضافت: "آنذاك، كانت السردية القائلة بأن الذكور أكبر حجمًا من الإناث قد ظلت قائمة لـ100 عام، لذا استمر انتشارها".

من هنا، أخذت تومباك وفريقها البحثي في ملء الثغرات المعرفية بهذا الصدد، بإجراء مراجعة نقدية مفصلة للأدبيات البحثية في هذا السياق، إذ لجأت في كثير من الأحيان لـ"أوراق بحثية مغمورة" نُشرت قبل عدة عقود. عندئذ، لم يتقص الفريق فقط متوسطات أحجام الجنسين، وإنما بحث أيضًا عن القياسات التي ترصد تباين متوسطات الأحجام بحيث يمكنه تطبيق اختبارات إحصائية لحسم ما إذا كان هناك اختلاف حقيقي في الحجم بين الجنسين في كل نوع.

ووجدت تومباك أن غالبية الأبحاث في هذا الصدد مالت لدراسة أنواع كاريزمية مثل آكلات اللحوم والثدييات وذوات الحوافر. فعمدت مع فريقها إلى تصحيح هذا الوضع بجمع عينات لـ5% من الأنواع في كل من 16 رتبة ثدييات ضمت تحتها ما لا يقل عن 10 أنواع، بدءًا من الخفافيش إلى القوارض. كذلك جمع الفريق البحثي عينات من 3.8 % من الأنواع في رتبة إضافية هي رتبة شفويات الأعور Eulipotyphia، التي تندرج تحتها حيوانات الخلد والزبابات والقنافذ.

وتشير نتائج الدراسة إلى أن عدد أنواع الثدييات التي تتشابه في أحجام الجنسين بها مضاه لعدد الأنواع التي يتسم فيها الذكور بأحجام أكبر من الإناث. وتثير هذه الملاحظة تساؤلًا عن السبب، على حد تعبير تومباك.

حاولت رالز في السبعينيات تفسير السبب بطرح فرضية "الأم الضخمة"، أو بفكرة مفادها أن الإناث الأكبر حجمًا قد تكن أقدر على إنتاج نسل أصلح للبقاء، إلا أن هذه فرضية لا تزال بحاجة إلى تقصيها.

غير أن ما يمكن الجزم به هو أن هذا الاكتشاف الجديد قد يؤثر على "اتجاه الأبحاث المستقبلية والأسئلة التي ينبغي أن تتصدى لها"، كما تقول مالين آه-كينج، اختصاصية البيولوجيا التطورية من جامعة ستوكهولم، والتي لم تشارك في الدراسة.

وهي تضيف: "التشكيك في المعتقدات السائدة عن الاختلافات بين الجنسين وإعادة النظر فيها هو جزء من عملية مستمرة، أُطلق عليها "تحوُر مفهوم الأنثى"، فالمفهوم عن الإناث ]كان[ ولا زال يتحول عن فكرة مفادها أن الأنثى كائن سلبي خجول، يتزاوج مع ذكر واحد، ويتسم – في حال النظرة إلى الثدييات في الوقت الحالي - بحجم أصغر من الذكر".

doi:10.1038/nmiddleeast.2024.105