أخبار

ميكروبات الأم قد تعزز نمو دماغ الطفل في حالات الولادة القيصرية

نشرت بتاريخ 2 يوليو 2023

البَذر المهبلي آمن للأطفال الرضع الذين يولدون بجراحة قيصرية ويبدو أنه يحمل منافع لهم، بيد أن مزيدًا من التجارب لا تزال مطلوبة للتحقق من صحة هذا الاكتشاف.

إوين كالاوي

يمكن أن يتعرض أطفال الولادات القيصرية إلى مسحة من سوائل الأم المهبلية.

يمكن أن يتعرض أطفال الولادات القيصرية إلى مسحة من سوائل الأم المهبلية.
Credit: Renato Foti/ 500px Prime/ Getty Images

يبدو أن تعرض أطفال الولادات القيصرية لمسحة من سوائل الأم المهبلية لتحفيز نمو الميكروبيوم لديهم إجراء آمن، وربما يعزز النمو الدماغي للرضيع، وفقًا لما كشفت النقاب عنه الدراسة الأكبر على الإطلاق لهذا الإجراء الطبي المثير للجدل1.

شملت التجارب العشوائية المعماة للدراسة 76 رضيعًا وأمهاتهم، وأظهرت أن الأطفال الرضع الذين يتعرضون لمسحة من سوائل الأم المهبلية يكونون قد مروا بعدد أكبر قليلًا من مراحل النمو العصبي بعمر ثلاثة أشهر وستة أشهر، من نظرائهم الذين لم يخضعوا لهذا الإجراء العلاجي. غير أن عددًا من العلماء يرى أنه ليس من الواضح ما إذا كان هذه الاختلاف سيبقى قائمًا، أم لا، وما إذا كان يحمل مدلولًا إكلينيكيًا.

تعقيبًا على نتائج الدراسة، يقول هوزيه كليمينتيه، اختصاصي علم الأحياء الدقيقة من كلية إيكان للطب بمدينة ماونت سيناي في ولاية نيويورك الأمريكية، والذي شارك في وضع الدراسة التي أجريت في أحد مستشفيات الصين: "لن يصنع هذا الاختلاف الفارق الذي يحسم احتمالية التحاق شخص بجامعة هارفارد مثلًا. ومنوط بالدراسات الأخرى أن تقف بدقة على الآلية وراء هذا التأثير، والكيفية التي يمكننا بها تعظيم منافعه".

ميكروبيوم الأم

تمُد الأم رضيعها في الولادة الطبيعية ببدايات الميكروبيوم، وهو مجموع ميكروبات الجسم في الأمعاء وعلى الجلد، وفي أماكن أخرى. ويتطلب البَذر المهبلي جمع مسحة من سوائل الأم المهبلية وتعريض جلد الرضيع بعد وقت قصير من الولادة القيصرية لهذه المسحة، بهدف محاكاة تجربة تعرض الرضيع لميكروبات الأم لأول مرة في الولادة الطبيعية.

وقد أظهرت تجارب أوجه الاختلاف بين ميكروبيومات أطفال الولادات القيصرية والأطفال الذين جاءوا إلى العالم بولادة طبيعية2، ليتبين بعد أيام من الولادة أن لدى أطفال الولادات القيصرية نسبة أكبر من البكتيريا الانتهازية المعوية التي تنتشر في المستشفيات، وليتضح بعد أشهر من ولادتهم أنهم يفتقرون إلى الميكروبات المعوية التي قد تدعم وظائف الجهاز المناعي.

من هنا، في عام 2016، نشر فريق بحثي، شارك كليمنتيه في قيادته، نتائج تجربة عن البَذر المهبلي، شملت أربعة أطفال رضع خضعوا لهذا الإجراء، ونجح اكتسابهم لميكروبات الأم من المسحات، وتمتعوا بميكروبيومات شبيهة بتلك التي تمتع بها من وُلدوا ولادة طبيعية3.

ورغم أن الدراسة لم تتناول الآثار طويلة المدى للبذر المهبلي، فنتائجها أثارت اهتمامًا عارمًا بهذا الإجراء الطبي على حد ما أفاد به كليمينتيه. ففي عام 2017، على سبيل المثال، أعربت الكلية الأمريكية لأطباء التوليد وأمراض النساء عن تخوفها من أن يؤدي هذا الإجراء الطبي إلى نقل مُمْرِضات للرضع، وأوصت بعدم اتخاذ هذا الإجراء الطبي سوى في إطار تجارب إكلينيكية4.

تطور نمائي

للوصول إلى فهم أفضل لمدى أمان البَذر المهبلي، والوقوف على منافعه المحتملة، ألحق فريق من العلماء الإكلينيكيين بقيادة يان هو من مستشفى جنوب الصين الطبي في مدينة جوانتشو الصينية في تجارب، نساءً شارفن على وضع أجنتهن بالولادة القيصرية، وجرى توزيعهن عشوائيًا بين مجموعتين، إحداهن يتعرض فيها أطفالهن لمسحة بذر مهبلي، وفي الأخرى يتعرضون لمسحة محلول ملحي.

وقد خضعت الأمهات بدايةً لفحوص للكشف عن العديد من الأمراض التي قد تهدد صحة الجنين، مثل «كوفيد-19»، لأن التجارب أُجريت في ذروة الجائحة. ولم يُصب الأطفال الذين تعرضوا لمسحة سوائل الأم المهبلية بمشكلات صحية خطيرة، وحدثت بينهن مضاعفات غير خطيرة ما بعد الولادة، منها الحمى وعدة أمراض جلدية طفيفة. وكانت هذه المضاعفات مشابهة في معدلاتها لها بين الأطفال الذين تعرضوا لمسحة محلول ملحي.

وفي عمر ثلاثة أشهر وستة أشهر للأطفال، طلب الفريق البحثي من آبائهم ملء قائمة تدقيق مرجعية، للتحقق من مراحل النمو العصبي التي مر بها الأطفال، على صعيد التواصُل والحركة ومهارات حل المشكلات، والمهارات الاجتماعية والشخصية، مثل السعي إلى الوصول إلى الألعاب أو الابتسام لدى رؤية انعكاسهم في المرآة. وبدا أن الأطفال الذين تعرضوا لمسحة البذر المهبلي مالوا إلى بلوغ مراحل النمو العصبي أكثر قليلًا من نظرائهم الذين تعرضوا لمسحة محلول ملحي.

وقد علق أليكساندر كوريتس، العالم والطبيب من جامعة مينيسوتا في مدينة مينيابوليس الأمريكية على ذلك قائلًا: "إنه لاكتشاف واعد ومثير للاهتمام". غير أنه لم يتضح ما إذا كانت هذه الفوارق في النمو العصبي ذات دلالة إكلينيكية، إذ إن أدمغة الأطفال تتغير كثيرًا في نشأتهم. وهو ما يوضحه كوريتس قائلًا: "إن تأخر النمو العصبي المبكر بمقدار شهرين قد لا يُترجم إلى فارق ملحوظ في عمر 18 عامًا".

أما لارز إينجشتراند، اختصاصي علم الميكروبيولوجيا الإكلينيكية من معهد كارولينسكا في مدينة ستوكهولم السويدية، والذي يجري دراسة في السياق نفسه، فيرى أن هذا الإجراء الطبي آمن، ولكن فقط حال فحص الأمهات تحسبًا لوجود مُمْرِضات لديهن. وهو ما يلفت إلى ضرورته قائلًا: "إن رسالة كتلك بالغة الأهمية للباحثين الإكلينيكيين في هذا المجال".

نتائج مُشجعة

ويقر إنجشتراند بأن النتائج التي أسفر عنها فريقه البحثي في دراسته بجب أن تؤخذ ببعض الحذر. وهو ما يشدد عليه قائلًا: "لا أعتقد أن نتائجنا في الوقت الحالي ذات دلالة إكلينيكية حقيقية تخوِّل باتخاذ هذا الإجراء الطبي". فالأحرى، على حد قوله، أنها تمنحه المزيد من الثقة للعكوف على دراسة أكبر نطاقًا وأطول مدى تنظر فيما إذا كان البًذر المهبلي يؤثر في معدلات عدد من أمراض النمو العصبي مثل اضطراب قصور الانتباه وفرط النشاط واضطراب طيف التوحد، وهي اضطرابات تشير دراسات الصحة لمجموعات سكانية إلى أنها أكثر شيوعًا بين من وُلدوا بولادة قيصرية.

وتسعى دراسات إكلينيكية أخرى للوقوف بدقة على المنافع المحتملة للبذر المهبلي. فيعمل إنجشتراند وفريقه البحثي على رصد وقياس تأثير هذا الإجراء على اضطراب جلدي يُسمى التهاب الجلد التأتبي بين حوالي 300 مشارك. ويشارك كليمينتيه بدوره في دراسة أمريكية تتناول احتمالات الإصابة بأمراض الحساسية والربو بين الأطفال الذين يتعرضون للبذر المهبلي. كذلك ينظر فريق بقيادة ماريا جلوريا دومينجيز-بيللو، وهي متخصصة في الإيكولوجيا الميكروبية، من جامعة روتجرز في مدينة نيو برونزويك بولاية نيوجيرسي الأمريكية إلى الآثار المحتملة لهذا الإجراء الطبي فيما يتعلق باحتمالات الإصابة بالسمنة.

على أن البذر المهبلي ليس الوسيلة الوحيدة لتعديل ميكروبيومات أطفال الولادات القيصرية، فقد وجدت دراسة أُجريت عام 2020 أن تعرض الأطفال حديثي الولادة لعينات مخففة من براز الأم أدى إلى تكوينهم لميكروبيومات معوية شبيهة بتلك التي تمتع بها أطفال الولادة المهبلية الطبيعية. 5 حول ذلك، يقول كورتيس بأن ملاحظات كتلك ينبغي أن تحث الباحثين على السعي إلى اكتشاف أي ميكروبات تحديدًا تنتقل من الأم إلى الطفل خلال الولادة. وهو ما يؤكد كورتيس على أهميته بقوله: "لا بد أن تكون هذه الخطوة التالية".

doi:10.1038/nmiddleeast.2023.92


  1. Zhou, L. et al. Cell Host Microbe https://doi.org/10.1016/j.chom.2023.05.022 (2023).
  2. Shao, Y. et al. Nature 574, 117–121 (2019).
  3. Dominguez-Bello, M. G. et al. Nature Med. 22, 250–253 (2016).
  4. Committee on Obstetric Practice. Obstet. Gynecol. 130, e274–e278 (2017).
  5. Korpela, K. et al. Cell 183, 324–334 (2020).