أخبار

ما مدلول نتائج تجارب عقار «دونانيماب» الواعدة لمرضى ألزهايمر؟

نشرت بتاريخ 1 يونيو 2023

تشير نتائج اختبار فاعلية هذا العقار الواعد المستهدِف لبروتين amyloid أنه يبطئ التدهور الإدراكي في بعض المصابين بمرض ألزهايمر، لكن تظل الإجابة عن بعض التساؤلات حول الآثار الجانبية المحتملة لهذا العقار لغزًا.

سارا ريردون

صورة فحص بالرنين المغناطيسي، يظهر فيه انكماش بالمنطقة الأمامية من الدماغ وبجانبيه لدى شخص في بدايات إصابته بمرض ألزهايمر.

صورة فحص بالرنين المغناطيسي، يظهر فيه انكماش بالمنطقة الأمامية من الدماغ وبجانبيه لدى شخص في بدايات إصابته بمرض ألزهايمر.


Credit: Zephyr/SPL

للمرة الثانية، يبرهن عقار تجريبي على قدرته على الحد من التدهور الإدراكي المرتبط بمرض ألزهايمر. ففي الثالث من مايو الجاري، أعلنت شركة «إيلي ليلي» Eli Lilly للأدوية، في بيان صحفي، أن تجاربها لاختبار فاعلية هذا العقار، الذي يرتكز عمله على جسم مضاد أحادي النسيلة، معروف باسم «دونانيماب» donanemab، نجحت في إبطاء التدهور الإدراكي المصاحب لمرض أُلزهايمر بنسبة 35%، بين المشاركين في هذه الدراسة التجريبية، وعددهم 1736 شخصًا. وتلك النسبة تضارع ما حققه عقار منافس، هو «ليكانيماب» Lecanemab. غير أن عددًا من الباحثين يحذر من أنه ما لم تُنشَر نتائج التجربة كاملة، ستبقى الشكوك حول الفاعلية الإكلينيكية للعقار، وحول ما إذا كانت فائدته المحدودة تفوق خطر الإصابة بآثار جانبية ضارة من جرائه، أم لا.

يعمل عقار «دونانيماب»، مثل نظيره «ليكانيماب»، من خلال استهداف بروتين amyloid، الذي يُعتقد أنه يسبب الخرف، عندما يتجمع في الخلايا العصبية الدماغية، ويتلفها. وتُعد نتائج هذه التجربة دليلًا قويًا، على أن بروتين amyloid من المسببات الرئيسية لمرض ألزهايمر، بحسب ما يفيد جيفري كامينجز، عالم الأعصاب من جامعة نيفادا، في لاس فيجاس، والذي يضيف: "تبشر هذه النتائج بثورة تقلب الموازين، ولها دلالات عظيمة الأهمية من وجهة النظر العلمية. إنها مذهلة".

أما مارسيل ميسولام، المتخصص في علم الأعصاب من جامعة نورثويسترن، في ولاية شيكاجو الأمريكية، فقد أبدى تحفظًا أكبر إزاء الأخذ بهذه النتائج. ففي تصريح له، قال: "النتائج الموضحة في الدراسة لها دلالات جديرة بأن تحظى باعتبار بالغ، بل إنها مبهرة. غير أن أهميتها من الناحية الإكلينيكية تبقى موضع شك". إلا أنه يستدرك قائلًا إن التأثير المتواضع للعقار، يدل على دخول عوامل أخرى بخلاف بروتين amyloid، في نشأة مرض ألزهايمر. من هنا، يضيف: "نحن مقبلون على عهد جديد، ثمة متسع به للتفاؤل، غير أنه ينبغي أن يحثنا جميعًا على التحلي بجد بالغ، وإدراك أن العلاج لن يتأتى على دفعة واحدة بعصا سحرية".

وفي هذا الإطار، صرحت شركة «إيلي ليلي» في بيان صحفي بأن معدل التدهور الإكلينيكي في المصابين بحالات طفيفة من مرض ألزهايمر، انخفض خلال مدة التجارب التي استمرت 18 شهرًا بنسبة 35% بين المصابين بهذا المرض ممن تلقوا عقار «دونانيماب»، مقارنة بمن تلقوا علاجا وهميًا للمرض. كذلك انخفض معدل تردي القدرة على تأدية المهام اليومية بين من تلقوا العقار بنسبة 40%، مقارنة بانخفاض هذا المعدل بين من تلقوا العلاج الوهمي. وقد أفادت الشركة، التي تتخذ من مدينة إنديانابوليس بولاية إنديانا الأمريكية مقرًا لها، أنها تعتزم طرح نتائج التجربة كاملةً، في مؤتمر ينعقد في يوليو من العام الجاري، كما ستنشرها في دورية علمية تخضع الأوراق البحثية المنشورة بها لمراجعة الأقران. كذلك تخطط الشركة للتقدم بطلب إلى إدارة الغذاء والدواء الأمريكية لاعتماد الدواء للاستخدام، خلال شهري يونيو ويوليو من العام الجاري.

علاجات واعدة

حال اعتماد إدارة الغذاء والدواء الأمريكية لعقار «دونانيماب»، يُتوقع أن يصبح الثالث بين ما اعتُمد من علاجات جديدة مضادة لمرض ألزهايمر خلال العامين الأخيرين. ففي يناير من عام 2023، منحت الهيئة تصريحًا معجلًا باستخدام عقار«ليكانيماب»، الذي تنتجه بالتعاوُن مع شركة «إيساي» في طوكيو، شركة «بيوجِن» Biogen، ومقرها مدينة كامبريدج بولاية ماساتشوستس الأمريكية. وقد بينت دراسة1 نشرت في نوفمبر الماضي، أن عقار «ليكانيماب» أبطأ التدهور الإدراكي في 1800 مريض، بنسبة 27%، على امتداد 18 شهرًا. كذلك تجدر الإشارة إلى أنه قبل ذلك، كانت إدارة الغذاء والدواء الأمريكية قد صرحت باعتماد عقار «أديوكانيماب» Aducanemab، وهو بدوره نتاج تعاوُن بين شركتي «بيوجين» و«إيساي»، وذلك بناءً على أدلة تشير إلى أن هذا العقار يقلل تراكم لويحات بروتين amyloid في الدماغ، رغم أنه لا تزال هناك شكوكًا قائمة حول ما إذا كانت هذه الخطوة من شأنها أن تفضي إلى فوائد إكلينيكية ملموسة بين المصابين بالمرض.

ومناط الاختلاف بين التجارب التي أجرتها شركة «إيلي ليلي» لاختبار فاعلية عقار «دونانيماب»، والتجارب التي أجرتها شركة «بيوجين» لاختبار فاعلية عقار «ليكانيماب»، هو أن المشاركين في تجارب «دونانيماب» توقفوا عن تعاطي العقار، بمجرد انخفاض مستويات بروتين amyloid عن حد أقصى معين. وتعليقًا على هذا الاختلاف، يقول كامنجز: "المنطق الذي يقوم عليه وقف العلاج هنا هو عدم الاستمرار إذا لم يعد للمُستهدف العلاجي وجود". وبحسب ما ورد في البيان الصحفي لشركة «إيلي ليلي»، تمكن نصف المشاركين تقريبًا في التجربة من التوقف عن تعاطي العقار، بعد أقل من عام على بدئها.

وتتخوف ديانا زاكرمان، رئيسة المركز الوطني الأمريكي للبحوث الصحية، وهو مؤسسة بحثية استشارية غير ربحية تتخذ من العاصمة الأمريكية واشنطن مقرًا لها، من أن التوقف عن تعاطي العقار، ربما يؤدي إلى انتكاس المرض أو تفاقمه، كما يحدث في حال العديد من عقاقير العلاج النفسي. وتُنبِّه زاكرمان أيضًا إلى أنه ستكون هناك حاجة لدراسات متابعة طويلة الأمد للمشاركين في التجربة، موضحة ذلك بقولها: "أية تدابير علاجية تؤثر في الدماغ، يتعين اتخاذها بحذر". 

كذلك وجدت شركة «إيلي ليلي»، أن  فاعلية عقار «دونانيماب»، تبلغ أقصاها بين من تحتوي أدمغتهم على مستويات متوسطة من بروتين آخر، يعرف باسم «تاو» tau، وهو بروتين يرتبط بدوره بتطور الإصابة بمرض ألزهايمر. ويأتي هذا الكشف بناءً على تقييم الشركة لنتائج تجاربها لاختبار فاعلية العقار بين 1182 مشاركًا، كانت مستويات بروتين tau في أدمغتهم متوسطة. غير أن الشركة أفادت كذلك بأن تحسن المرضى كان ملموسًا أيضًا، من الناحية الإحصائية، عند أخذ هؤلاء المرضى في الاعتبار مع 552 مريضًا آخرين، كانت مستويات بروتين «تاو» في أدمغتهم مرتفعة. 

تعقيبًا على ذلك، يقول برينت فورستر، المتخصص في الطب النفسي لأمراض الشيخوخة، بمستشفى ماكلين، في بلمونت بولاية ماساتشوستس، إنه لمن "المذهل" أن تؤثر إزالة الأميلويد أيضًا على بروتين «تاو». إذ إن فهمنا للعلاقة بين البروتينين، ودور كل منهما في تطور المرض يشوبه قصور. ويضيف فورستر: "إذا استطعنا تعزيز فهمنا لتلك العلاقة، فربما نتمكن من فهم السبب الذي قد يجعل إزالة بروتين amyloid تُحدث تأثيرًا إكلينيكيًا".

نزيف ونوبات تشنج كأثر جانبي

مثلما هو الحال مع عقار «ليكانيماب»، ترتفع مع تعاطي عقار «دونانيماب»، احتمالية الإصابة بعدد من الآثار الجانبية، لا سيما مجموعة من الاضطرابات التي تشكل معًا ما يعرف باسم الاضطرابات المرتبطة بالأميلويد في فحوص الرنين المغناطيسي (تسمى اختصارًا ARIA)، والتي يمكن أن تؤدي إلى نوبات من التشنج والنزيف الدماغي. فوفقًا لباحثين، الأجسام المضادة في هذين العقارين تضعف عن غير قصد في غمرة استهدافها للويحات بروتين amyloid  الأوعية الدموية الدماغية. وتتجلى هذه الآثار الجانبية في أوضح صورها بين من يتعاطون عقاقير مضادة لتجلط الدم. وقد أفاد البيان الصحفي الذي أدلت به شركة «إيلي ليلي»، أن معدلات ظهور الاضطرابات المرتبطة بالأميلويد بين من تعاطوا عقار «دونانيماب»، كانت أعلى عدة مرات، منها بين من تلقوا علاجا وهميًا، وأن ثلاثة من المرضى المشاركين في التجربة، توفوا بعد إصابتهم بهذه المجموعة من الاضطرابات.

في ذلك الصدد، يقول فورستر، الذي قاد تجارب سابقة لاختبار فاعلية عقار «دونانيماب»، ويجري حاليًا تجارب لاختبار فاعلية عقار «ليكانيماب»: "تعد الآثار الجانبية للعقار أكثر ما نتخوف منه جميعًا في الوقت الراهن". كذلك أضاف أن المصابين بقصور إدراكي طفيف يمارسون وظائفهم الطبيعية على نحو جيد نسبيًا، ووقوع ثلاث وفيات يشير إلى أن خطر الإصابة بآثار جانبية من العقار يربو على الفائدة المرجوة منه.

وتبقى هناك تساؤلات بشأن معلومات لم ترد في تصريحات الشركة، ومن بينها ما إذا كان عقار «دونانيماب» ذو فاعلية بين من ترتفع في أدمغتهم مستويات البروتين tau. وهو ماتعقِّب عليه زاكرمان بقولها: "هذا الإعلان عن النتائج في بيان  صحفي، برمته مزرٍ حقًا". 

إضافة إلى ذلك، فإن النتائج التي أعلنتها شركة «إيلي ليلي»، تشير إلى تباطؤ التدهور الإدراكي بين مَن تعاطوا العقار، مقارنةً بمعدل هذا التدهور في حال من تلقوا علاجًا وهميًا، وذلك بأكثر مما يستدل منها على أثر عقار «دونانيماب» فيما يخص المعدل المطلق للتدهور الإدراكي لدى كل شخص. وترى زاكرمان أنه من غير الواضح ما إذا كان الفرق بين معدل التدهور الإدراكي إثر تعاطي العقار، ومعدله دون تعاطيه، كبيرًا بما يكفي بحيث يلحظه المصابون بمرض ألزهايمر، وعائلاتهم.

وفي ظل اقتراب طرح ثلاثة عقاقير على الأقل تقوم على الأجسام المضادة أحادية النسيلة لعلاج مرض أُلزهايمر، يساور ميسولام بعض القلق من أن الضجة التي ثارت بشأن هذه العقاقير، قد تضعف حماس الشركات لتطوير عقاقير ترتكز على مستهدَفات علاجية أخرى مرتبطة بالإصابة بمرض ألزهايمر، بخلاف بروتين amyloid. فيقول: "من المتوقع أن تُستهلك عشرين إلى خمسة وعشرين عامًا مقبلة في البحث عن عقاقير أفضل في استهداف بروتين amyloid لعلاج المرض". ويحتمل أن تصبح سوق عقاقير علاج مرض ألزهايمر مربحة جدًا لشركات الأدوية. فالعلاج بعقار «ليكانيماب» على سبيل المثال، يكبد تكاليف تبلغ قيمتها أكثر من 26 ألف دولار سنويًا. وهو ما يدفع ميسولام إلى التخوُف من أن تشكل التكلفة المرتفعة لعقاقير ألزهايمر، عبئا على نظام الرعاية الصحية بالولايات المتحدة. 

وبتعبير فورستر، فإن النتائج المبدئية للتجارب الأخيرة "تقدم المزيد من الأدلة على أن العقار سيكون له أثر في علاج مرضى بعينهم، في مرحلة ما من مرضهم". ويضيف: "أشعر بتفاؤل مشوب بحذر".

doi:10.1038/nmiddleeast.2023.78


1. van Dyck, C. H. et al. New Eng. J. Med. 388, 9–21 (2023).