أخبار

قرد هجين يولَد من اتحاد خلايا جنينين

نشرت بتاريخ 30 ديسمبر 2023

يمهد هذا البحث الطريق أمام العلماء للاستفادة من الرئيسيات الهجينة في دراسة الأمراض البشرية.

كاريسا ونج

ظهر على أصابع القرد الهجين الرضيع ووجهه طيف أخضر اللون، ما يشير إلى وجود الأنسجة المأخوذة من الخلايا الجذعية الجنينية التي حُقنت بها المضغة الجنينية المتلقية.
ظهر على أصابع القرد الهجين الرضيع ووجهه طيف أخضر اللون، ما يشير إلى وجود الأنسجة المأخوذة من الخلايا الجذعية الجنينية التي حُقنت بها المضغة الجنينية المتلقية.
Credit: Cao et al./Cell

تمكن فريقٌ من العلماء من استيلاد قرد هجين (أو "خيمري" chimeric)، عن طريق حقن مضغة جنينية لقرد بخلايا جذعية مأخوذة من جنين آخر متمايز عنه جينيًا1؛ ليشهد الفريق بذلك ولادة أول كائن هجين حي من الرئيسيات، يحوي جسده نسبةً مرتفعةً من الخلايا الناشئة عن الخلايا الجذعية المانحة.

ومشيرًا إلى نتائج الدراسة التي خلُص إليها العلماء، والتي نُشرت على صفحات دورية «سِل» Cell، ذكر ميجويل إيستبان، عالِم بيولوجيا الخلايا الجذعية في جامعة الأكاديمية الصينية للعلوم بمدينة جوانجو، والمؤلف المشارك في الدراسة، أنها تفتح الباب أمام الاستعانة بالقرَدة الهجينة في دراسة الأمراض التي تصيب البشر وتطوير علاجات لها؛ بالنظر إلى أنها تشبه البشر من الناحية البيولوجية أكثر من غيرها من الجرذان والفئران الهجينة.

على أن فريق الباحثين وجدوا أنفسهم مضطرين إلى قتل القرد الهجين قتلًا رحيمًا، وهو لم يتجاوز من العمر عشرة أيام، بسبب انخفاض درجة حرارة جسمه، ومعاناته من صعوبات في التنفس، وهو ما يُسلط الضوء على حاجة هذا النهج إلى المزيد من التحسينات، ويثير مخاوف أخلاقية، على حد قول الباحثين.

حُلمٌ راود العلماء

لطالما سعى العلماء إلى تخليق حيوانات هجينة بالاستعانة بخلايا جذعية جنينية مأخوذة من الكتلة الخلوية الجنينية الداخلية وقادرة على التطور إلى طيف واسع ومتنوع من الأنسجة؛ فضلًا عن إمكانية تحريرها جينيًا قبل حقنها في جنين آخر.

فعلى سبيل المثال، يمكن إضافة الخلايا التي تحمل طفرات جينية مرتبطة بمرض معين إلى أجنّة لا تحوي هذه الطفرات؛ وهو ما سيسمح للعلماء بدراسة الطريقة التي تؤثر بها تلك الطفرات على وظائف الأعضاء والصحة.

وأشار إيستبان إلى أن خلايا الأعضاء، كالدماغ والكلى والرئتين، المأخوذة من الخلايا الجذعية المانحة لم تتجاوز نسبتها 0.1-4.5% في القرود الهجينة السابقة؛ وأن ضآلة هذه النسبة حالت دون استخدام هذه الكائنات الهجينة كنماذج لدراسة الأمراض البشرية عليها.

وسعيًا لإنتاج كائنات هجينة تحوي أجسادها عددًا أكبر من الخلايا الجذعية المانحة، عمد إيستبان وفريقه البحثي إلى تخصيب أجنّة عن طريق جمع بويضات من مجموعة من إناث قرَدة المكاك طويلة الذيل (Macaca fascicularis)، ثم تخصيبها لأغراض حقنها بالخلايا الجذعية المانحة.

كذلك عمل الباحثون، في هذه الأثناء، على استخلاص خلايا جذعية جنينية من أجنّة قرَدة المكاك طويلة الذيل خلال الأسبوع الأول من الحمل، ثم تحريرها جينيًا لتصدر إشارة خضراء فلورية. وأجرى الفريق البحثي مواءمةً للمغذيات والبروتينات المعززة للنمو في السائل الذي تُستزرَع فيه الخلايا الجذعية بغية إنماء هذه الخلايا في المختبر. حقن الفريق، بعد ذلك، كل مضغة جنينية بما يصل إلى 20 خليةً جذعيةً خضراء اللون، ليتشكل لديهم 74 جنينًا هجينًا تنبعث منها إشارة فلورية قوية.

معدّل ولادة منخفض

شرع الفريق البحثي في استزراع هذه الأجنة في أرحام 40 أمًا بديلةً من القرود؛ ما أدى إلى حدوث 12 حالة حمل بين هؤلاء الأمهات البديلة، لم يوُلد منها إلا قردٌ هجينٌ واحدٌ فحسب، هو الذي نُفذ فيه القتل الرحيم في وقتٍ لاحقٍ.

وجد الفريق أن نسبة 67%، في المتوسط، من خلايا 26 نسيجًا خضعت للفحص، من بينها أنسجة من الدماغ والرئتين والقلب، كانت منحدرة من الخلايا الجذعية المانحة. وظهرت النسبة الأكبر من هذه الخلايا المتمايزة جينيًا في الغدة الكظرية؛ حيث شكلت الخلايا المنحدرة من الخلايا الجذعية المانحة نسبة 92% من إجمالي خلايا تلك الغدة.

ويقول جين لو، عالِم البيولوجيا الإنجابية بالمعهد الصيني للعلوم في شنجهاي، أن انخفاض معدل استيلاد القرود الهجينة، وسوء الحالة الصحية للقرد الوحيد الذي عبَر مرحلة الحمل وصولًا إلى الولادة، يشيران إلى عدم توافق الخلايا الجذعية الجنينية المانحة بشكل تام مع الحالة التطورية للمضغة الجنينية المتلقية؛ مضيفًا أن الفريق يعتزم العمل على تحسين هذا الجانب مستقبلًا.

هل تصلح هذه الكائنات وسيطًا لإنماء الأعضاء البشرية؟

أشادت إيرين إكسوي، عالمة بيولوجيا الخلايا الجذعية بمعهد بحوث الخلايا الجذعية والمخ في مدينة ليون بفرنسا، والتي لم تشارك في الدراسة، بالجهد المبذول، قائلة: "هذا العمل مثير للإعجاب حقًا، وجدير بالثناء".

كما لَفَتَ شوخرات ميتاليبوف، اختصاصي علم البيولوجيا النمائية والخلوية بجامعة أوريجون للصحة والعلوم بمدينة بورتلاند، إلى إمكانية الاستفادة من هذه الطريقة في إنماء أعضاء بشرية داخل أنسجة الخنازير أو غيرها من الرئيسيات غير البشرية، قائلًا: "إذا تسنّى لنا حذف الجينات المشفِّرة للكلى، مثلًا، لدى حيوان كبير الحجم، كالخنازير أو ما سواها من الرئيسيات، فسوف يكون بإمكاننا حينئذٍ إدخال الخلايا البشرية إليه لإنتاج هذا العضو". لكنه استدرك مشيرًا إلى العديد من المخاوف الأخلاقية التي تحيط باستخدام كائنات هجينة تحتوي على خلايا بشرية وحيوانية بغية إنتاج أعضاء لأغراض زراعتها، لا سيّما إذا كان للخلايا الجنينية البشرية دورٌ في تطور الجهاز العصبي، أو الدماغ، أو خلايا التكاثر.

 

 

doi:10.1038/nmiddleeast.2023.302