أخبار

أول دليل على مجرة ضخمة خالية من المادة المظلمة

نشرت بتاريخ 7 أغسطس 2023

يمثل اكتشاف مجرة ضخمة بلا مادة مظلمة لغزًا كونيًّا يتحدى نماذج الفيزياء الفلكية المعاصرة.. ويُعد حالة نادرة بين المجرات

شادي عبد الحافظ

في حالة مجرة إن جي سي 1277 لن نتمكن من أخذ صورة مماثلة بالأشعة السينية لافتقار تلك المجرة للمادة المظلمة
في حالة مجرة إن جي سي 1277 لن نتمكن من أخذ صورة مماثلة بالأشعة السينية لافتقار تلك المجرة للمادة المظلمة
NASA Enlarge image
يذهب علماء الكونيات إلى أن المجرات الحالية ذات الكتل النجمية يجب أن تحتوي على جزء كبير من المادة المظلمة داخل جسمها النجمي، وأن هذه المادة تمثل 15٪ من الكتلة الديناميكية في المجرات الضخمة.

لكن دراسة حديثة نشرتها دورية "أسترونومي آند أستروفيزيكس" ذكرت أن "فريقًا بحثيًّا توصل إلى أول دليل على وجود مجرة ضخمة تفتقر إلى وجود المادة المظلمة، وهي نوع من المادة لا تتفاعل مع المادة العادية، ولكنها تمارس قوة جاذبية قوية على النجوم المحيطة والغاز".

ووفق الدراسة التي أجراها فريق بحثي مشترك من جامعة "لا لاجونا" الإسبانية و"معهد الدراسات الفيزيائية الفلكية" في جزر الكناري، فإن المجرة المعروفة باسم "إن جي سي1277" لا تحتوي على مادة مظلمة، وهو الأمر الذي يتناقض مع النماذج المكونة للعالم القائمة حاليًّا، والتي تشير إلى أن المجرات الضخمة يجب أن تحتوي على كميات كبيرة من المادة المظلمة، ما يمثل تحديًا للنموذج القياسي الحالي لعلم الكونيات".

يقول سيباستيان كوميرون، الباحث بمعهد الدراسات الفيزيائية الفلكية في جزر الكناري، والمؤلف الرئيس في الدراسة: "إن ما توصلنا إليه أمرٌ مثيرٌ للدهشة؛ لأن أي مجرة من المفترض أن تتكون من مادة عادية في المركز تحيط بها هالة من المادة المظلمة، وافتقار مجرة إن جي سي 1277 إلى المادة المظلمة يُعد حالةً نادرةً بين المجرات".

أعد الباحثون خرائط حركية لتحديد توزيع الكتلة داخل المجرة عن طريق استخدام تقنية "مطياف المجال المتكامل"، وهي تقنية تعتمد على التقاط صور للمجرة عبر نطاقات عدة مثل النطاق الضوئي ونطاق الأشعة تحت الحمراء، ثم دمج هذه النطاقات معًا لاختراق جسد المجرة وتكوين منظور ثلاثي البعد عنها.

مادة مظلمة

توصل الباحثون إلى أن "محتوى المادة المظلمة في مجرة إن جي سي 1277 لا يمكن أن يكون أكبر من 5%، وأنه من الممكن ألا تحتوي تلك المجرة على مادة مظلمة من الأساس".

وتُعرف المادة المظلمة بأنها الصورة الأخرى للمادة في هذا الكون، فالمادة العادية تشمل كل ما نعرفه من كواكب ونجوم ومجرات، بما في ذلك المادة التي تكوِّن أجسامنا والمنازل والهواتف الذكية وكل شيء تراه، وعلى الجانب الآخر، فإن المادة المظلمة لا يمكن للعلماء رصدها بالتلسكوبات، بل يمكنهم فقط ملاحظة أثرها على محيطها، إذ تبدو المجرات في قياسات الكتلة أكبر بفارق كبير مما تُبين الأرصاد التلسكوبية، ما يعني وجود شيء ما خفي.

ويشبه الأمر أن نضع في إحدى كفتي الميزان ثمرة برتقال، وفي الكفة الأخرى نضع وزنًا بثقل 3 كيلوجرامات، لكن كفة الثمرة تظل أثقل، هنا سنتصور وجود شيء خفي مع الثمرة، هذا الشيء الخفي في الأرصاد المجرية هو المادة المظلمة.

مجرة بقايا

يقول "كوميرون" في تصريحات لـ"نيتشر ميدل إيست": تنشأ المجرات بشكل عام على مرحلتين: الأولى تتضمن تجمعًا لقطع كثيفة من الغاز معًا، ويلي ذلك مرحلة الاندماج؛ إذ تتجمع المجرات الصغيرة معًا لبناء مجرات كبرى، لكن بالنسبة للمجرة إن جي سي 1277، فإن المرحلة الثانية لم تحدث، ولذا تتكون المجرة حصريًّا من نجوم وُلدت قبل نحو 10 مليارات سنة، وقد سُميت هذه النوعية من المجرات بـ "مجرة بقايا"، في إشارة إلى أنها لم تتفاعل مع المجرات المجاورة، وهي مجرات غير شائعة للغاية وتُعدُّ بقايا مجرات ضخمة تشكلت لأول مرة في الكون المبكر، وأظهرت النتائج أن توزيع الكتلة في مجرة "إن جي سي 1277" كان مجرد توزيع للنجوم فقط، ولا يمكن أن يكون هناك أكثر من 5% من المادة المظلمة داخل نصف قطر المقطع الذي رصده العلماء.

تفسيرات مختلفة

وإلى الآن ليس لدى العلماء تفسيرات لافتقار تلك المجرة إلى المادة المظلمة؛ إذ تتنبأ النماذج الكونية الحالية بأن مجرة "إن جي سي 1277"  يجب أن تحتوي على 10% إلى 70٪ من المادة المظلمة.

ويقترح كوميرون -في تصريحات لـ"نيتشر ميدل إيست"- أن "هناك تفسيرين محتملين لنقص المادة المظلمة في هذه المجرة، أحدهما هو أن البيئة المحيطة بالمجرة قد جردتها بشكل ما من مادتها المظلمة"، أو أن المجرة نشأت من الأساس دون مادة مظلمة؛ إذ تم إخراجها في أثناء اندماج الشظايا المجرية الأولية التي صنعت المجرة.

يقول "كوميرون": لا يُعَدُّ أيٌّ من هذين التفسيرين مُرضيًا تمامًا، لذا فإن مسألة تشكُّل مجرة ​​ضخمة من دون المادة المظلمة تظل لغزًا، وهو الأمر الذي يحتاج إلى مزيد من الدراسة.

doi:10.1038/nmiddleeast.2023.122