أخبار

Read this in English

تجميع المياه العذبة من هواء الصحراء

نشرت بتاريخ 1 سبتمبر 2018

العلماء يجمِّعون المياه من الهواء الجاف في صحراء أريزونا باستخدام جهاز يعمل بضوء الشمس فحسب. لكن إلى أي مدى يُعَدُّ هذا الجهاز عمليًّا؟

سارا هيدلستون

صور بالمجهر الضوئي لبلورات الإطار الفلزِّي العضوي المعتمد على الألومنيوم MOF-303.
صور بالمجهر الضوئي لبلورات الإطار الفلزِّي العضوي المعتمد على الألومنيوم MOF-303.
© UC Berkeley
يحتاج هذا الأمر إلى دورة مدتها 24 ساعة من الليل والنهار، إلا أن علماء من جامعة كاليفورنيا في بيركلي قاموا بتطوير جهاز يُنتج من هواء الصحراء الجاف كوبًا من الماء، باستخدام ضوء الشمس فحسب.1 

يكمن السر في تطوير مسحوق جزيئي –إطار فلزِّي عضوي (يُطلق عليه اختصارًا MOF)– على درجة عالية من المسامية، ويعمل كإسفنجة في امتصاصه للماء.

المسحوق، الذي يُعبَّأ داخل إطار في الجزء العلوي لصندوق من الأكليريك، يتشبع بالماء خلال الليالي الرطبة الباردة. وخلال النهار ينفث هذا المسحوق المياه عندما يتسبب ضوء الشمس في ارتفاع درجة حرارته. يتكثف الماء على جوانب الصندوق، وهذا الأخير معزول بالطين للإبقاء على درجة الحرارة منخفضة.

ببساطة، يجب الإبقاء على الصندوق مفتوحًا في أثناء الليل ومغلقًا في أثناء النهار.

يقول عمر ياغي -المؤلف الرئيسي للدراسة التي نُشرت في الثامن من يونيو الماضي، وهو الكيميائي الذي كانت له الريادة في إطلاق أبحاث الأطر الفلزية العضوية: ’’لا يوجد شيء كهذا. لدينا هنا مادة صلبة، إسفنجة جزيئية تكشف عن الماء الموجود في بيئة قاحلة وقليلة الرطوبة، وتُنتج مياهًا جارية من دون أية مُدخَلات للطاقة باستثناء ضوء الشمس. إن هذا يُعَدُّ تطورًا لم يكن بالإمكان تصوره من قبل‘‘.

ياغي –الذي يشغل حاليًّا كرسي جيمس ونيلتي تريتر بجامعة كاليفورنيا في بيركلي، وهو أيضًا عالِم عضو في هيئة التدريس بمدينة الملك عبد العزيز للعلوم والتقنية بالمملكة العربية السعودية– يُطلق على هذا الجهاز تعبير ’’جهاز للجيل القادم‘‘.

إن الأطر الفلزية العضوية -والتي يتم تصنيعها بخلط ملح معدني مع جزء عضوي لتكوين بِنيات مسامّية شبيهة بالشِّبَاك- تُعرف بالفعل بقدرتها علي امتصاص الماء. في أبريل الماضي، قام ياغي –بالتعاون مع الخريج الباحث الذي يعمل تحت إشرافه، يوجين كابوستين، ومع فريق من جامعة كاليفورنيا في بيركلي ومعهد ماساتشوستس للتقنية– بنشر بحث حول جهاز صغير مُصمَّم لأغراض إثبات صحة المفهوم، قام تحت الظروف المعملية بإنتاج قطرات ماء من الهواء باستخدام جرامين من إطار فلزِّي عضوي يعتمد على الزركونيوم.2

في هذا العمل الأخير، استخدم فريق جامعة كاليفورنيا في بيركلي كيلوجرامًا من الإطار الفلزِّي العضوي المعتمد على الزركونيوم، مفرودًا بسُمك يبلغ بوصة واحدة فوق إطار أبعاده 16 × 16 بوصة. وفي تجربة أُجريت في صحراء أريزونا، أنتج الإطار 100 جرام من الماء. وبخلاف الجهاز السابق –والذي جرى فيه تفعيل الطاقة الحرارية الكهربائية لتشغيل مكثف– تم تشغيل هذا الجهاز من دون أية مُدخَلات إضافية للطاقة.

لا يُعَدُّ الزركونيوم -الذي يصل سعر الكيلوجرام الواحد منه إلى 160 دولارًا– رخيص الثمن، لذا بدأ الفريق في محاولة العثور على بديل لاستخدامه في أغراض الاختبارات المعملية تحت ظروف تمثل استنساخًا للتجربة التي أُجريت في الصحراء. وكانت النتيجة التي توصلوا إليها إطارًا معتمدًا على الألمونيوم (MOF-303)، وهو إطار أنتج -عند جمعه مع الجرافيت- 175 جرامًا من الماء، أي ضِعف الكمية تقريبًا، وبتكلفة أقل بشكل ملحوظ. وفقًا لياغي، يبلغ سعر الكيلوجرام من الألومنيوم 3 دولارات فقط .

وتُعَدُّ هذه التجربة أيضًا صديقة للبيئة على نحو أكبر؛ لأن عملية التخليق تجرى في الماء، بدلاً من المذيبات العضوية.

ويقول ياغي إن الهدف هو التوصُّل إلى إدامة عمل الجهاز لسنوات. ولذا تم إدخال الإطار الفلزِّي العضوي المعتمد على الألومنيوم في 150 دورة متواصلة، وجرت متابعة أدائه فيما يتعلق بالتقلُّبات، وتم التوصُّل إلى أنه مستقر.

بيد أن العامل الوحيد الذي يبدو أن الفريق لم يأخذه في الحسبان بعدُ هو العواصف الترابية. ويعارض ياغي هذا قائلًا: ’’إذا تم نشر الأمر علي نطاق واسع، فعندها سيتعيَّن أن يكون هناك مُرشِّح، تمامًا كما يفترض بك أن تستخدم مُرشِّحًا في سيارتك‘‘.

ويرى ياغي أن النموذج الأوّلي لهذه التقنية الجديدة يمكن تطبيقه في كل أنحاء العالم، ويقول: ’’لدينا [الآن] علاقات رياضية تسمح ببناء جهاز مناسب لأي مناخ صحراوي، سواء كان ذلك في الشرق الأوسط أو حوض البحر المتوسط أو الصحراء الكبرى. كل ما تحتاج إليه هو المخططات البيانية الشمسية، ومستويات الرطوبة، وفروق درجات الحرارة. ويمكن استخدام الإطار الفلزِّي العضوي نفسه. بِنية الصندوق هي فقط ما قد يتغير‘‘.

يعمل ياغي علي هذه التقنية بالفعل بالتعاون مع مدينة الملك عبد العزيز للعلوم والتقنية في الرياض بالمملكة العربية السعودية، ومع رئيسها الأمير الدكتور تركي سعود محمد آل سعود، بحسبان ذلك جزءًا من الأبحاث المشتركة بمركز تميّز المواد النانوية لتطبيقات الطاقة النظيفة.

اتفق جميع العلماء الذين تحدثوا إلى مجلة ’’نيتشر ميدل إيست‘‘ Nature Middle East في أن هذه التقنية مثيرة للاهتمام، وأنها توضح إمكانية تصميم الأطر الفلزِّية العضوية بما يتناسب وظروف الرطوبة التي تقل عن 30%، وأن التجارب العيارية والميدانية تمثل خطوةً إلى الأمام.

يقول محمد الداوودي، الذي يشغل كرسي رئاسة برنامج العلوم الكيميائية بجامعة الملك عبد الله للعلوم والتقنية: ’’هذه الدراسة تثبت صحة مفهوم تجميع المياه في المناطق القاحلة. إن القدرة على تصميم واستهداف الأطر الفلزِّية العضوية المعتمدة على مواد أولية رخيصة نسبيًّا تُقرِّبنا خطوةً أخرى من توفير المياه في الصحراء بتكلفة معقولة عبر الادمصاص على الأطر الفلزِّية العضوية‘‘. ويتفق مع هذا الرأي بينج وانج، الأستاذ المشارك في مركز تحلية المياه وإعادة استخدامها التابع لجامعة الملك عبد الله للعلوم والتقنية، ويضيف: ’’بالنظر لهذا الأمر باعتباره مولدًا مستقلًا يعمل بضوء الشمس لتجميع المياه الموجودة في الجو، فإنه يسير على نحو جيد‘‘.

إمكانيات غير مؤكدة 

يقول تيم ميز، رئيس قسم الهندسة الكيميائية في جامعة باث بالمملكة المتحدة: ’’بالرغم من أنه ليس من الواضح بشكل كامل ما إذا كان هذا الأداء يمكن أن ينتج عنه تأثير ملحوظ في ’العالم الحقيقي‘، فلا تزال الورقة البحثية تتسم بالبراعة‘‘.

خلال تجارب أُجريت في الصحراء، أثبت علماء جامعة كاليفورنيا في بيركلي أن جهازهم المُستجمِع للمياه المُعَدّ للجيل القادم يمكنه جمع الماء من هواء الصحراء في كل دورة للنهار والليل.
خلال تجارب أُجريت في الصحراء، أثبت علماء جامعة كاليفورنيا في بيركلي أن جهازهم المُستجمِع للمياه المُعَدّ للجيل القادم يمكنه جمع الماء من هواء الصحراء في كل دورة للنهار والليل.
© Stephen McNally and Roxanne Makasdjian / UC Berkeley
إن هذا الأمر قد يحفز المزيد من العمل المُنصَب على تطوير الأطر الفلزِّية العضوية وتصنيعها على نطاق أوسع، لكن يبدو أن تأثير الجهاز في ’العالم الحقيقي‘ يمثل موضعًا للجدل.

وفي حين يرى ياغي في تصوره أن التطبيقات تتراوح بين صنابير مياه الشرب في الأماكن العامة وخزانات المياه المنزلية أو حقول تجميع المياه، فإن الخبراء الآخرين ليسوا واثقين -إلى حدٍّ كبير- بإمكانية تحقيق هذا.

يقول نور الدين غفُّور، من مركز تحلية المياه وإعادة استخدامها التابع لجامعة الملك عبد الله للعلوم والتقنية، وهو باحث تركز أبحاثه على تحسين أداء تقنيات التحلية المعمول بها وعلى العمليات التي تتسم بالكفاءة في استخدام الطاقة: ’’لن يكون سكان الصحراء سعداء بجرامات فحسب من المياه. لقد نجحت تجربة إثبات صحة المفهوم: يمكننا التقاط المياه من الهواء منخفض الرطوبة، إلا أن كمية المياه المُنتجة أقل بكثير من القدر الذي يمكن أن تقوم عليه حياة‘‘.

ويتقاسم هذه المخاوف جان هوفمان، أستاذ علوم وهندسة المياه في جامعة باث بالمملكة المتحدة ومدير مركز ابتكارات وبحوث المياه. يقول هوفمان: ’’يبلغ استهلاك المياه لدى البشر حوالي 150 لترًا للشخص في اليوم، وبالتالي فإن الطاقة الإنتاجية للأطر الفلزِّية العضوية تُعَد منخفضة. بالنسبة لـ1,000 شخص، قد يكون من الضروري توفير 3,000 طن من الأطر الفلزِّية العضوية لتغطية الطلب. وهذا قد يعني ضرورة إنتاج الأطر الفلزِّية العضوية على المستوى الصناعي، وهذا ليس موجودًا حتى الآن، على حد علمي‘‘.

إن الماء الناتج عن الجهاز، لكونه نقيًّا نقاء التقطير، لا يصلح للاستهلاك من الناحية التقنية. ويوضح هوفمان أن هذا الماء قد تلزم إعادة تزويده بالعناصر المعدنية ليكون جديرًا بالشرب. ويعترف ياغي وفريقه بأهمية هذه العملية الإضافية.

ويتقاسم كلا العالِميْن المخاوف المتعلقة بالمسائل الهندسية التي ينطوي عليها توسيع نطاق استخدام هذه التقنية، خاصةً فيما يتعلق بكفاءة استخدام الطاقة، وانتقال الحرارة والكتلة. يقول هوفمان: تُعَد تلك [المسائل] أقل أهميةً على النطاق الصغير نسبيًّا للنظام الذي يتم اختباره الآن، إلا أنها ستمثل أهميةً كبيرةً على نطاق ثلاثة آلاف طن أو حتى نطاق مئة كيلوجرام‘‘.

لا تتوافر أية معلومات في الورقة البحثية الحالية بشأن تكاليف أحدث جهاز أو تكاليف الإطار الفلزِّي العضوي. ووفق كابوستين لا يتم التخطيط لإجراء أي نوع من التقديرات الاقتصادية. يقول كابوستين: ’’إن تكاليف الأكليريك، والخشب، والماء، والرابط العضوي سوف تكون غير مُعتدٍّ بها في حالة الإنتاج واسع النطاق. الأهم هو أن جهازنا لا يتطلب مصدرًا إضافيًّا للطاقة أو ألواحًا شمسية، وذلك بخلاف الأنظمة الأخرى‘‘.

بالنسبة لهوفمان، يُعَد الجهاز الجديد تقنيةً تستحق السعي وراءها، على الرغم من أنها ستحتاج إلى تطويرات كبيرة للخروج بتقنية ناضجة بما يكفي لأغراض تطبيقها.

من ناحيته، يقول غفُّور: ’’بالنسبة لتجربة إثبات صحة المفهوم، نعم، الطريقة العلمية متحققة. ربما يكون الأمر جيدًا بالنسبة للتطبيقات المحصورة في قطاعات صغيرة متخصصة وحالات محددة غير مرتبطة بشبكات المرافق العامة. لكن من الناحية العملية، لا يمكننا بيع الأمل لسكان الصحراء الذين ينتظرون الماء ليعيشوا عليه‘‘.

doi:10.1038/nmiddleeast.2018.99


  1. Fathieh, et al. Practical water production from desert air. Sci. Advhttp://dx.doi.org/10.1126/sciadv.aat3198 (2018)
  2. Kim, H. et al. Adsorption-based atmospheric water harvesting device for arid climates. Nat. Commun9, 1191 (2018)