مقالات
Interview

Read this in English

الكشف عن الماضي الأخضر للجزيرة العربية

نشرت بتاريخ 10 أبريل 2018

حديث عن آثار المملكة العربية السعودية وإعادة كتابة التاريخ مع رئيس مشروع الصحارى القديمة. 

ميريدث براند

© Klint Janulis

استطلاع البيئة القديمة والتاريخ البشري للمملكة العربية السعودية، والكشف عن الروابط مع أفريقيا وبقية أوراسيا هو هدف مشروع الصحارى القديمة، الذي يجري بجهد دولي متعدد التخصصات، يدفعه طموح كبير، ويدعمه تمويل من مجلس البحوث الأوروبي.  

يتخذ فريق الصحارى القديمة من معهد ماكس بلانك لعلوم التاريخ البشري في جينا، ألمانيا مقرًّا له، وهو يعمل بالتعاون مع شركائه الرئيسيين في الهيئة السعودية للسياحة والتراث الوطني (SCTH). تحدثت نيتشر مِيدِل إيست Nature Middle East إلى مايكل بتراجليا، رئيس المشروع.

نيتشر مِيدِل إيست: أخبرني عن مشروع الصحارى القديمة.

مايكل بتراجليا: يتألف فريقنا من مجموعة كبيرة متنوعة من العلماء الذين يعملون على إعادة بناء البيئة القديمة. والسعوديون هم من بين أشخاص من جميع أنحاء العالم يشاركون بكثافة في هذا المشروع؛ فثمة ما يقرب من 40 مؤسسة مشاركة في هذا المشروع. هناك بعض المشاريع الواسعة النطاق المتداخلة التخصصات التي تجري في جميع أنحاء العالم، ولكن هذا المشروع فريد إلى حد كبير بالنسبة للجزيرة العربية نفسها. أعتقد أنه المشروع الوحيد من حيث حجمه وطبيعته متعددة التخصصات.

نيتشر مِيدِل إيست: ما مدى أهمية علم الآثار في الجزيرة العربية بالنسبة للتاريخ البشري؟

مايكل بتراجليا: لاحظي موقع الجزيرة العربية بالنسبة لأفريقيا وبقية أوراسيا، وسترين أنها تشكل نقطة اتصال مهمة بين القارات. صدقي أو لا تصدقي، لم تكن الجزيرة العربية على الإطلاق جزءًا من قصة التطور البشري ونقاط تلاقي الثقافات خلال العشرة آلاف سنة الماضية. على الرغم من علمنا بوجود الكثير من المواقع الأثرية، إلا أن العمل العلمي متعدد التخصصات كان نادرًا، وقمنا بتصحيح هذا الوضع.

الآن تجدين الجزيرة العربية في طليعة الأعمال التي نتحدث عنها، مثل الهجرة خارج أفريقيا، وذلك بفضل كل الاكتشافات التي توصلنا إليها في شبه الجزيرة العربية. لقد اعتقد الناس أنها قد تكون مفترق طرق مهمًّا، لكننا أصبحنا الآن نمتلك الدليل.

نيتشر مِيدِل إيست: ما الذي استنبطه الفريق عن البيئة القديمة للمملكة العربية السعودية؟ 

مايكل بتراجليا: من أول الأمور التي قمنا بها الاستشعار عن بعد. نظرنا إلى صور الأقمار الصناعية على سبيل المثال، ووجدنا أن هناك آلاف الأنهار القديمة التي كانت تتقاطع في أرض المملكة العربية السعودية. كما يمكننا الآن أن نعدّ 10,000 من البحيرات القديمة.

وأكثر ما أدهشني وجوده، شخصيًّا، هو الأحفوريات المكتشفة. إنهم يشيرون إلى أنواع الحيوانات التي يمكن أن تكون قد هاجرت إلى الجزيرة العربية. لدينا أحفوريات من فِيَلة؛ كانت هذه كائنات ضخمة، أكبر بكثير من الفيل الأفريقي. والمثير للدهشة، أننا عثرنا على أفراس النهر أيضًا. هذه الموجودات تعطيك فكرة عن مدى الرطوبة التي كانت تتمتع بها.. فأفراس النهر لا يمكنها البقاء في ظروف قاحلة وشديدة الجفاف، أي أن البيئة يجب أن تكون خضراء لتتمكن من البقاء على قيد الحياة. لذا، من المؤكد أنه كان ثمة الكثير من البحيرات والأنهار في جميع أنحاء الجزيرة العربية، وكان هناك الكثير من العشب والمساحات الخضراء حول هذه الحيوانات للاستهلاك.     

حتى الآن، عمدنا إلى تأريخ مواقع ترجع إلى ماقبل 500,000 سنة، تغير في أثنائها مناخ الأرض. لقد رأينا أن المواقع الأثرية تتطابق مع كل مرحلة رطبة. 

© The Palaeodeserts Project

نيتشر مِيدِل إيست: كيف تجاوب البشر القدامى مع تغيُّر المناخ في الجزيرة العربية؟

مايكل بتراجليا: نعتقد أنه بمجرّد أن أصبح المناخ أكثر رطوبةً، انتقلت أنواعنا، والأشكال البشرية القديمة، إلى الجزيرة العربية، وكان ثمة توسّع في مجتمعات الصيد والجمع.

 لكن سؤالنا الكبير هو، ما الذي حدث عندما أصبح المناخ جافًّا؟ لكِ أن تتخيلي، أنكِ مثلًا في منتصف الربع الخالي [صحراء رملية شاسعة] وأنها لطيفة ورطبة، وأن هناك بحيرات وحيوانات لاصطيادها، ولكن ماذا يحدث عندما تجفّ جميع البحيرات؟ 

هناك بعض الخيارات. أحدها هو أنه لا يمكنك الاستمرار في البقاء هناك. نحن نعرف ذلك. إذا وجد المرء نفسه محاصرًا، فقد يتعرّض للانقراض، أو قد يحدّد وجوده في مناطق معينة. اليوم هناك مناطق، في عُمان مثلًا، رطبة جدًّا وتتلقى الأمطار الموسمية. لذا، من الممكن أن يكون الناس قد انتقلوا إلى هذه المناطق الأصغر مساحة، والتي يمكنها المحافظة على حياة البشر. 

أو يمكنك ببساطة المضي قدمًا. أنت صياد وجامع، أي أنك تتحرك بالفعل، فإن جفّت المنطقة التي أنت فيها، يمكنك الاستمرار في التحرك عبر أوراسيا. إننا نعتقد أن هذا هو بالضبط ما حدث.

نيتشر مِيدِل إيست: متى بدأت الجزيرة العربية بالتحوّل إلى الصحراء القاحلة التي نراها اليوم؟

مايكل بتراجليا: قبل حوالي 5,000 سنة، بدأت الجزيرة العربية تتعرض للجفاف، لكن سكان الجزيرة العربية كانوا أذكياء جدًّا، فأقدموا على فعل أشياء جديدة ومبتكرة. بدأوا بإدخال الحيوانات المستأنسة وحتى النباتات المستأنسة في شؤونهم الاقتصادية، وشرعوا في حفر الآبار الجوفية، مما أتاح لهم البقاء على قيد الحياة في فترات الجفاف.

أصبحت الحياة مختلفة جدًّا. بدأ الناس يستقرون في الواحات. وفي وقت لاحق، جاءت الجمال وأصبحت شديدة الأهمية، فقد سمحت للناس في الواحات بالتواصل والتجارة وتبادل البضائع فيما بينهم عبر الطبيعة القاحلة. هذه الصورة النمطية ليست لأكثر من بضعة آلاف السنين. إنها ليست صورة مغرقة في القدم. إنها طريقة حياة جديدة بدأت بالتشكل خلال العشرة آلاف سنة الماضية. أما ما قبلها فلم يكن هناك سوى صياد يجمع.    

نيتشر مِيدِل إيست: كيف يتغير علم الآثار في المملكة العربية السعودية؟

مايكل بتراجليا: لقد تغيّر بشكل كبير في السنوات العشر الماضية، وهناك الآن تركيز هائل على علم الآثار في البلاد: هناك بعثات أجنبية تعمل مع السعوديين وربما ستتضاعف كمية الأدلة المستنبطة كل عام. كما توجد الآن بحوث أكثر تعقيدًا، وقد دأب السعوديون على دعمها وتشجيعها. 

لقد أكملنا للتو أول نواة حفر في المملكة العربية السعودية، وستخبرنا بالكثير عن تاريخ البيئة. جاءت شركة أرامكو السعودية إلى المجموعة وحفرت في قلب إحدى بحيراتنا القديمة المسماة جبة في شمال وسط شبه الجزيرة العربية، ونعتقد أنه أصبح بحوزتنا الآن سجلّ من العالم المعاصر وحتى ما قبل مليون سنة تقريبًا.   

هذا أمر ضخم بالنسبة لنا، لأننا عندما نذهب الآن إلى البحيرات، فسنتمكن من رؤية نوافذ زمنية معينة فقط.  

لدينا ما يقرب من 80 مترًا من رواسب الحفر الأساسية التي كانت تُرسَل إلى مختبراتنا هنا في ألمانيا، ولقد جمعنا مجلسًا كبيرًا من العلماء لدراسة نواتج الحفر هذه، لأننا سنستطيع بواسطتها إعادة بناء البيئة عبر الزمن.

doi:10.1038/nmiddleeast.2018.47