مقالات
Specials

Read this in English

التكيُّف الجيني للشعاب المرجانية: أمل جديد؟

نشرت بتاريخ 17 نوفمبر 2015

دراسة آليات تكيُّف المرجان عن طريق التخلُّق المتوالي ضرورية لضمان مستقبل الشعاب المرجانية في كل مكان. 

يي جين ليو ومانويل أراندا

دراسة آليات تكيُّف المرجان عن طريق التخلُّق المتوالي ضرورية لضمان مستقبل الشعاب المرجانية في كل مكان.
دراسة آليات تكيُّف المرجان عن طريق التخلُّق المتوالي ضرورية لضمان مستقبل الشعاب المرجانية في كل مكان.
© Yi Jin Liew / Manuel Aranda

في حين يتوق معظم الناس لقدوم فصل الصيف، إلا أنه موسم حافل بالنسبة للشعاب المرجانية في البحر الأحمر؛ حيث ترتفع حرارة المياه بشكل روتيني لتصل إلى درجة 34 مئوية الحارقة.

على الرغم من درجات الحرارة اللافحة هذه، فالبحر الأحمر يضجّ بالحياة، وهو موطن لبعض من أقدم الشعاب المرجانية في هذا الكوكب. إن بقاءها على قيد الحياة في هذه الظروف دليل على مرونة المرجان الباني للشعاب وقدرته على التكيُّف.

ويستند نجاحها إلى علاقة فريدة مع المُعايش داخل الخلوي دواميّ السياط، والمعروف باسم Symbiodinium sp. فمقابل الحماية التي توفرها الشعاب المرجانية، يزوّد المتعايش Symbiodinium المضيف بالعناصر المغذية التي تتشكل عن طريق التمثيل الضوئي.

كما تسهم الأصباغ ضوئية التخليق في المتعايشات في الأشكال الحية من الشعاب المرجانية. هذه العلاقة التكافلية تجعل البنية العظيمة للشعاب المرجانية ممكنة، على الرغم من طبيعة البحر الفقيرة غذائيًّا. 

هذه الهياكل تشكل أساس النظام البيئي للشعاب -واحدة من أكثر المناطق الأحيائية إنتاجية على الأرض- وكثيرًا ما شُبِّهت بكونها "غابات المحيطات المطيرة" بسبب التنوُّع البيولوجي الهائل الذي تدعمه الشعاب المرجانية.

كما يستفيد البشر إلى حد كبير من النظام السليم للشعاب المرجانية. يُعَدُّ مرجان الشعاب مصدرًا مهمًّاللدخل من باب السياحة البيئية ومصايد الأسماك، ولكنه يؤمّن أيضًا خدمات أقل وضوحًا، كإبطاء وتيرة تآكل الشواطئ.

الانهيار

من المفارقة أن العلاقة التكافلية التي تكمن وراء نجاح المرجان الباني للشعاب المرجانية هي نفسها التي تعرِّضه للخطر. هذا التوازن الدقيق معرّض للانهيار.

تبدي هذه الشعاب المرجانية حساسية واضحة تجاه العديد من الضغوط البيئية، كدرجة الحرارة والكثافات العالية للأشعة فوق البنفسجية والتلوث. عندما تتعرض الشعاب المرجانية للإجهاد، يتزايد طرد المتكافلات تدريجيًّا من أنسجة المضيف لأسباب غير مفهومة تمامًا. يؤدي هذا إلى ابيضاض المرجان، حيث يتحول نسيج المرجان إلى الشفافية ويبدو أبيض ناصعًا؛ إنه الهيكل الأساسي الذي فقد لونه.

على الرغم من الدمار والأسى، فقد نجت الشعاب المرجانية من عدة أحداث مسبِّبة للاندثار الجماعي. 

في هذه الحالة، يمكن للشعاب المرجانية البقاء على قيد الحياة مدةً محدودةً فحسب، لتموت إذا استمرت الظروف غير المواتية. ويقدّر أن ظاهرة النينيو في الفترة الممتدة بين عامي 1997-1998 قد أدت إلى إبادة نحو سدس جميع المستعمرات المرجانية في جميع أنحاء العالم.

على الرغم من أهميتها الاقتصادية والبيئية، إلا أن الشعاب المرجانية تُعَدُّ من أكثر النظم البيئية المهدَّدة بالانقراض على هذا الكوكب، مع خسارة 19% من الشعاب المرجانية في جميع أنحاء العالم منذ عام 1950، و35% إضافية من مساحة ما تبقى من الشعاب المرجانية مهدد بالانقراض. ويبدو أن السيناريو الذي ترسمه الزيادات المتوقعة في درجة الحرارة ومعدّل CO2 على مدى هذا القرن سيكون بائسًا، إذ قد يتمكن تغيُّر المناخ من تجاوُز قدرة الشعاب المرجانية على التكيُّف مع التغيُّرات المتوقعة.

عندما يتعلق الأمر بدرجة الحرارة، تقترب بيئة البحر الأحمر من السيناريوهات المتوقَّعة للمحيطات الأخرى في العالم. ومع ذلك فإن ما يثير الاستغراب، هو أن مرجان البحر الأحمر ينتعش ضمن الظروف التي لا يمكن للمرجان في المحيطات الأخرى تحمُّلها.

ما التعديلات التي تسمح لمرجان البحر الأحمر بالعيش ضمن هذه الظروف القاسية؟ هل تمتلك أنواع المرجان الأخرى أيضًا قدرة مماثلة على التكيُّف مع الأوساط البيئية للمحيطات في المستقبل؟ وهل يمكنها أن تفعل ذلك في ضوء التغيُّرات البيئية السريعة؟

على الرغم من الدمار والأسى، فقد نجت الشعاب المرجانية من عدة أحداث مسببة للاندثار الجماعي، تتضمن تلك التي أدت إلى زوال الديناصورات قبل 65 مليون سنة. ولكن كيف؟

ما فوق الجينوم

التكيُّف الوراثي عملية بطيئة تعتمد على الطبيعة العشوائية للطفرات، مع انتشار الأليلات –التنوعات الجينية- الملائمة في كافة أفراد المجموعة عن طريق الانتقاء الطبيعي. تحدث هذه العملية على مدى فترات زمنية طويلة جدًّا، وهذا ينطبق بشكل خاص على الأنواع التي تتميز بطول زمن أجيالها كالشعاب المرجانية.

على أي حال، تمتلك العديد من الكائنات الحية آليات غير وراثية، تتيح لها التكيُّف السريع مع التغيُّرات بطريقة محدودة أكثر، وذلك عن طريق "مدّ" قدراتها الفيزيولوجية المحدَّدة مسبقًا من قِبل الجينوم الخاص بها. هذه الآليات، والتي تدعى مجتمعة: آليات التخلّق المتوالي، تسمح للكائنات الحية بتعديل "مضمون" الجينوم، بحيث يتكيف ويتجاوب مع عوامل الإجهاد.

لا تغيِّر تعديلات التخلُّق المتوالي الشفرة الوراثية الفعلية، ولكنها تغيِّر الطريقة التي تُستخدم بها- مثل متى، وإلى أي درجة، سيتم التعبير عن الجين.

هذه العملية تسمح للكائنات بتحسين الاستجابات الفيزيولوجية في مواجهة الإجهاد طويل المدى.

بعدئذٍ تنطبع هذه الاستجابات الملائمة تطوُّريًّا على الجينوم باستخدام "واسمات جزيئية"، مثل مثْيَلة الـDNA وتعديلات الهيستون، التي تسمح للكائن الحي باستدعاء هذه الاستجابات المعينة في المستقبل لتوفير الحماية في ظل ظروف بيئية مشابهة. ومن المثير للاهتمام أن ثمة دراسات في بعض الكائنات الحية، مثل الفئران، تُظهر أن تعديلات كهذه يمكن تمريرها إلى الجيل القادم لتقديم "الأفضلية" لذُرِّيَّتها.

على الرغم من أن التخلُّق المتوالي يخضع حاليًّا لدراسة مكثفة في العديد من نماذج الكائنات الحية، إلا أن استقصاء الشعاب المرجانية لا يزال في بداياته.

إن السبل المتبعة حاليًّا لاستعادة الشعاب المرجانية مبهرة فعلًا

الدراسات التي عمدت إلى تعريض الشعاب المرجانية بصفة دورية لإجهاد معين، كارتفاع درجات الحرارة، أظهرت أنها تحتفظ فعلًا بمرونة أعلى تجاه الضغوط المستقبلية المماثلة. وقد دفعت هذه الملحوظات الكثيرين إلى اعتقاد أن المرجان يمتلك على الأرجح آليات تخلّق متوالٍ تساعده على التكيف مع الظروف البيئية المتغيرة– وهي فرضية يدعمها عملنا على مرجان البحر الأحمر Stylophora pistillata.

لقد اكتشفنا مثْيَلة واسعة للـDNA في جينوم S. pistillata ولاحظنا أن أنماطًا معينة من علامات التخلُّق المتوالي تظهر عندما تتعرض الشعاب المرجانية للإجهاد فترات مديدة. ويركز بحثنا حاليًّا على فهم الطرق الدقيقة التي تعمل بها هذه الآليات، وإلى أي مدى تسمح للشعاب المرجانية بالتكيّف.

إن الفهم الواضح لهذه الآليات الحادثة في المرجان قد يوفّر مفتاحًا لصون الشعاب المرجانية وحمايتها في المستقبل عن طريق توليد المرجانيات التي تتكيَّف عن طريق التخلّق المتوالي مع الأوساط التي تزداد درجة حرارتها. إن السبل المتبعة حاليًّا لاستعادة الشعاب المرجانية مبهرة فعلًا؛ نظرًا للحجم الهائل للمناطق التي تحتاج إلى حفظها واستعادتها، في حين يشير تسارع معدل تدهور الشعاب المرجانية إلى أن المشكلة ستزداد تفاقمًا في المستقبل.

إن القدرة على توليد مستعمرات ويرقات مرجانية مسبقة التكيُّف عن طريق المهايأة بالتخلُّق المتوالي ستسمح بإنشاء مجموعات بذْر تعيد ملء الشعاب بشكل طبيعي، دون الإنقاص المحتمل للتنوُّع الوراثي نتيجة للانتقاء المصطنع للشعاب المرجانية، أو الجهد الضخم المطلوب لاستعادة الشعاب المرجانية بواسطة الزرع المستمر للمستعمرات المفردة.

ونظرًا للطبيعة طويلة الأجل لعلامات التخلُّق المتوالي، فقد تمثل مؤشرًا جيدًا لحالة الشعاب الراهنة عن طريق توفير سجلّ للضغوط المتحمَّلة على مدى الأسابيع الماضية والشهور، وربما السنوات الماضية، بما يشبه الحلقات في لحاء الشجرة، وإن لمدى زمني أقصر.

إن دراسة آليات التخلُّق المتوالي في المرجان مجال جديد مثير، ذو قدرات واسعة من أجل الحفاظ على هذه النظم الإيكولوجية الفريدة للأجيال القادمة.

doi:10.1038/nmiddleeast.2015.227