مقالات
Specials

Read this in English

وضع المقبس في الشمس: حلم ’مصدر‘ الشمسي

نشرت بتاريخ 22 يناير 2015

على الرغم من سطوع الشمس طول العام، فقد كانت طموحات الإمارات العربية المتحدة للطاقة الشمسية تواجه تحديات على الدوام. في عام 2008، أطلقت أبو ظبي مشروعًا طموحًا لإنشاء واحدة من أكثر مدن العالم البيئية استدامة. 

© Getty

يهدف المشروع الذي أطلقته مجموعة من الباحثين الدوليين في معهد مصدر للعلوم والتكنولوجيا، إلى تحديد المعوِّقات التي تحول دون تسخير الطاقة الشمسية في الإمارات، ومعالجتها.

تستمد مدينة مصدر -التي تقع على الساحل الجنوبي لدولة الإمارات العربية المتحدة- طاقتها بشكل رئيسي من شمس 1، إحدى كبريات محطات توليد الطاقة الشمسية المركزة في الشرق الأوسط. ويسهم المصنع في تحقيق هدف أبو ظبي، المتمثل في رفع معدل توليد الطاقة المتجددة إلى سبعة في المئة بحلول عام 2020.

يشكّل الرمل والغبار عائقين رئيسيين في وجه الاستخدام الأمثل لطاقة الشمس في البلاد. في عام 2012، افتتح معهد مصدر ’مركز البحوث لرسم خرائط الطاقة المتجددة والتقييم‘؛ لتحليل موارد الإمارات من طاقة الشمس وطاقة الرياح. أظهرت نتائج أطلس الإمارات لموارد الطاقة الشمسية أن إضعاف الإشعاع الشمسي وتشتيته بسبب الغبار المحمول جوًّا يعني أن الإشعاع الطبيعي المباشر في البلاد (DNI) -وهو مقياس للإشعاع الشمسي- أقل بكثير منه في إسبانيا وبعض الولايات الجنوبية في الولايات المتحدة، مثلا. وكانت بيانات الأقمار الصناعية التي تستعمل النموذج التقليدي المستخدم من قبل بلدان أخرى قد بالغت سابقًا في تقدير معدل DNI في الإمارات العربية المتحدة بنحو 15%.

يشرح ماتيو كييزا -الأستاذ المشارك في علم المواد وهندستها، ورئيس مختبر علوم الطاقة والنانو في معهد مصدر- قائلاً: "إن الفهم الدقيق لما هو متاح لك من الموارد الشمسية هو الخطوة الأولى في تحديد نوع التكنولوجيا الذي ستعتمده"، وقد تم تصميم شمس 1 -الذي بوشر العمل به في أوائل عام 2013- استنادًا إلى هذه البيانات الجديدة.

ووفقًا لقول كييزا، النرويجي الأصل، والذي يشارك مختبره في مشاريع أبحاث عديدة للطاقة الشمسية، فإن معهد مصدر يعمل حاليًّا على إنتاج أطلس مماثل للمملكة العربية السعودية، مستندًا إلى المنهج نفسه الذي استُخدم لإنتاج أطلس الإمارات لموارد الطاقة الشمسية.

تراكم الغبار على الألواح الشمسية يؤثر على كفاءتها، لذا يدرس كييزا دمج جسيمات الألومنيوم النانوية في طلاء خاص لألواح الطاقة الشمسية؛ ليمنحها خاصية "التنظيف الذاتي". عند وضع هذا الطلاء، تقوم قطيرات الماء المتراكمة على الألواح بجمع الغبار، بسبب طبيعة الطلاء الكارهة للماء، وتحاول أن تسيل على سطح الألواح، وبالتالي تنظفها.

ولكن نظرًا لقرب دولة الإمارات العربية المتحدة من خط الاستواء، فإن الألواح الشمسية توضع أفقيًّا، مقارنة بدول الشمال حيث توضع بزاوية مائلة لالتقاط أشعة الشمس. وهذا يصعّب انزلاق قطرات الماء عن الألواح في دولة الإمارات العربية المتحدة. يختبر كييزا تطبيق حقل كهربائي على الألواح، وهي طريقة تُدعى ’الترطيب الكهربائي‘؛ لمساعدة قطيرات الماء الجامعة للرمال على الانزلاق بعيدًا.

وقد وُصف سلوك الترطيب الكهربائي للسوائل منذ أواخر القرن التاسع عشر. ولكنه استُخدم عمليًّا أول مرة في عام 1981. ويقول كييزا: إن استخدام الترطيب الكهربائي يجب أن يقيّم بحذر بالغ من حيث التكلفة واستخدام الطاقة.

ويشرح قائلاً: إن معظم الشركات في دولة الإمارات العربية المتحدة توظف أفرادًا لتنظيف الألواح الشمسية بالماء، بتكلفة منخفضة نسبيًّا. موضحًا: "لذلك أجد نفسي -كباحث- في صراع مع مثل هذه الأمور".

يحاول عمار نايفة -الأستاذ المشارك في قسم الهندسة الكهربائية وعلوم الكمبيوتر، ورئيس مختبر الإلكترونيات الدقيقة والضوئيات في معهد مصدر- اختبار سبل زيادة كفاءة الألواح الشمسية. ويعمل فريق نايفة إلى جانب نظرائهم في معهد ماساتشوستس للتكنولوجيا (MIT)، على دمج الجرمانيوم في الخلايا الشمسية سيليكونية الأساس لزيادة كفاءتها.

يشرح نايفة: "يُطلق على القاعدة الأساسية للخلايا الشمسية اسم الوصلة p –n (الإيجابية– السلبية)، وهي تستند إلى مادة السيليكون"، ويمكن للسيليكون -كما يقول- أن يستخدم جزءًا فقط من طيف الشمس. ونتيجة لذلك، فإن كفاءة الخلايا الشمسية في استخدام طاقة الشمس ليست كما ينبغي أن تكون. ويضيف نايفة: إن فريقه قد طوّر ما يسميه فكرة مبتكرة للجمع بين السيليكون والجرمانيوم، متيحًا للخلايا استخدام المزيد من الطيف الكهرومغناطيسي، لتصبح بالتالي أكثر كفاءة.

يقول نايفة: "في الوقت الراهن ما زالت كل الأمور نظرية، أي أننا لم نعمد بعد إلى تصنيع [الخلايا الشمسية الهجينة] المثالية بشكل كامل. لقد أنجزنا خطوات منها الآن... ونأمل الحصول على النتيجة التي نحصل عليها في المحاكاة التجريبية".

ويبحث فريق نايفة أيضًا في الطريقة التي تنقص بواسطتها جسيمات الذهب النانوية مختلفة الأحجام من انعكاسية سطوح الخلايا الشمسية، وتزيد بالتالي من كمية الضوء التي تدخل إليها. وأظهرت الدراسة التي نُشرت مؤخرًا أن الجسيمات النانوية الأكبر حجمًا خفضت الانعكاسية من نحو 23% إلى 18%.

أنشأ صامويل ليليو -الإيطالي الباحث بعد الدكتوراه في هندسة النظم الدقيقة- مختبر الفولتية الضوئية العضوية OPV في مصدر، وهو أول مختبر للإلكترونيات العضوية في دولة الإمارات العربية المتحدة.

بالتعاون مع جامعة شيفيلد، وجامعة كارديف، وجامعة نيويورك أبو ظبي، يدرس فريق ليليو فئة جديدة من مواد الخلايا الشمسية تُدعى بيروفسكايت الرصاص والهاليد العضوية- اللا عضوية.

ويقول ليليو موضحًا أهميتها: "إن خلايا البيروفسكايت الشمسية مثيرة جدًّا للاهتمام؛ لأن كفاءتها قفزت خلال أقل من خمس سنوات، من 3.8% إلى 19.3% تقريبًا. هذا لم يحدث على الإطلاق في أبحاث الخلايا الشمسية".

إن هدفنا هو أن نفهم العلاقة بين الخصائص المورفولوجية والبنيوية بالمقياس النانوي والخصائص العيانية للبصريات الكهربائية في الأجهزة.

كما يضيف: "إن هدفنا هو أن نفهم العلاقة بين الخصائص المورفولوجية والبنيوية بالمقياس النانوي والخصائص العيانية للبصريات الكهربائية في الأجهزة؛ فهذا سيساعدنا على فهم الحقائق الفيزيائية وراء عمليات التصنيع بشكل أفضل، إضافة إلى الطرق الجديدة لتحسين كفاءة الخلايا الشمسية".

إنهم يستخدمون حيود الأشعة السينية الواردة الملامسة لفهم كيفية توجه البلورات في الخلايا الشمسية المعالجة على المقياس النانوي، سواء كان توجهها موازيًا أو عموديًّا على الركيزة، أو إذا كانت تُنظّم بطريقة أخرى. كما يحللون درجة تبلور المواد. وعند إنجاز هذا، سيحاول الفريق الربط بين نوع المعالجة المستخدمة في الخلايا والطريقة التي تؤثر على خصائصها البنيوية والعيانية. وهذا ما سيسمح لهم بتقييم كفاءتها.

ويجري قسم كبير من هذا العمل في المنشأة الأوروبية لتسريع إلكترونات الأشعة (سنكروترون) في غرونوبل، فرنسا. لقد أدى عمل ليليو في تسريع الإلكترونات على البيروفسكايت إلى بعض النتائج المثيرة للاهتمام، والتي يأمل نشرها قريبًا.

تقدّم مصدر لباحثيها فرصة غير مسبوقة ليقرروا ما هي الأبحاث التي يودون المشاركة فيها، وللحصول على تمويل لمشاريعهم؛ فكما يقول ليليو: "مقارنة بأوروبا، التي ستجد فيها منافسة شرسة وإجراءات معقدة للحصول على تمويل البحوث، فإن الحصول على تمويل البحوث والتعاون مع الشركات هنا سهل نسبيًّا". 

ويتابع: ولكن، ما زالت مراكز النشاطات البحثية في هذا التخصص تتركز في أوروبا والولايات المتحدة. وهو يأمل أن يؤدي الباحثون في العقود القليلة القادمة دورًا في إحداث نقلة تجاه الشرق الأوسط. "ليس في المنطقة مسرِّعات إلكترونية، مثلاً، مما يعني أننا سنحتاج إلى السفر كثيرًا لإنجاز أبحاثنا، وأحيانًا قد يحتاج الحصول على الإمدادات من أوروبا والولايات المتحدة إلى بعض الوقت".

هناك "تردد" من الدوريات المُحكّمة في وضع البحوث القادمة من الشرق الأوسط في الاعتبار، وفق قول كييزا. ولهذا التردد -في رأيه- ما يبرره في كثير من الحالات -كما يقول- بسبب النقص العام في التقاليد العلمية في المنطقة. ويوضّح قائلاً: وقد انتهجت مصدر توظيف الباحثين الشباب الذين يبنون مختبراتهم ومشاريعهم البحثية من الصفر، مما يمنحهم فرصة هائلة. ولكن الجانب السلبي، هو أنهم لا يستطيعون الاستفادة من أسماء العلماء المعروفين أو المؤسسات العريقة للحصول على اعتراف بأبحاثهم .

ويضيف نايفة: يتمثل أحد التحديات في خلق ثقافة المشاريع الجديدة. ويستطرد شارحًا: "في وادي السيليكون، هذا هو المألوف، أليس كذلك؟ تجري بحثًا وتؤسس شركة، فإما أن تفشل أو لا تفشل"، "لن تجد هذا السلوك هنا. لا وجود لأمر كالفشل، وكل شيء يجب أن ينجح". وهذا، إلى حد ما، هو هدفنا الكبير هنا. يأتي الطلاب ويتخرجون، ويؤسسون شركات، ويدفعون الاقتصاد للانتقال من اقتصاد يعتمد على النفط إلى اقتصاد أكثر ميلاً للاعتماد على المعرفة/على البحوث"، مضيفًا: "وهذا يستغرق وقتًا".

doi:10.1038/nmiddleeast.2015.12