مقالات

العلم والنهضة العربية

نشرت بتاريخ 16 يناير 2014

في حين ركّزت الأحداث الأخيرة في العالم العربي على التقلبات السياسية، تبدو المنطقة الآن بحاجة ماسة لثورة جديدة؛ لإعادة تشكيل ثقافة التعليم والأبحاث، استنادا إلى قول أحمد زويل، الحائز على جائزة نوبل، وشريف صدقي.

أحمد زويل, شريف صدقي


أحمد زويل
أحمد زويل

في السنوات القليلة الماضية، ركّزت الصحوة التي اجتاحت الوطن العربي -من خلال ما عرف باسم "الربيع العربي"- على البعد السياسي من التغيير المجتمعي. وفي حين تبدأ عملية التحول بالديمقراطية، إلا أنها لا تنتهي هناك. على الرغم أن الانتفاضات الشعبية قد جلبت تغييرات سياسية، إلا أن تغيير ثقافة التعليم لا يزال بحاجة إلى ثورة جديدة. ففشل التعليم العربي من الأسباب المميّزة الكامنة وراء سخط الشباب في المنطقة، وله عواقب ثقافية واقتصادية وسياسية خطيرة.

إن وضع العالم العربي في مجال العلوم والتعليم غير مقبول. فإسهامه في مجال الأبحاث العلمية الدولية غير ذي أهمية، والجامعات العربية لا تحتل عادة أي مكان بين أفضل 500 مؤسسة تعليمية عالمية. ومن اللافت للنظر أنه من العرب البالغ عددهم 350 مليون مواطن، لا يزال 25-40٪ منهم أمّيّا، في حين تُعرّف مهارات الكبار في العصر الرقمي الآن من حيث معرفة القراءة والكتابة والحساب، وحل المسائل.

في مصر، التي تضم أكبر عدد من السكان في البلدان العربية، يحصل مئات الآلاف من الطلاب على تعليم جامعي لا يتناسب والعالم الحديث، كما تخلو السوق العالمية من أي منتج تكنولوجي "صُنع في بلد عربي".

ومن السذاجة بمكان أن نعزو هذا إلى سبب واحد، مثل التمييز الزائف بين الإيمان والمنطق. فمن وجهة نظر وراثية؛ لا يختلف العرب عن أي عرق آخر، والذكاء لا يقتصر جغرافيا على منطقة دون سواها. وقد كان العرب والمسلمون في إسبانيا، وشمال أفريقيا، وشبه الجزيرة العربية، بوضوح، في قمة الحضارة عندما كانت أوروبا المسيحية غارقة في العصور المظلمة.

إن أسباب هذا النقص في السعي والإنجاز عديدة؛ وتتضمن الاستعمار، والفساد، والثغرات الدستورية المقيّدة لحرية الإنسان وحرية الفكر. وعلى مدى عقود، سبَّب استخدام الدين في السياسة والسياسة في الدين ضبابية في الأهداف الوطنية، وأدى لتحويل الاهتمام عن القضايا الحقيقية التي تواجه الدول العربية.

إن السؤال الذي يحتاج إلى إجابة ليس "ما الخطأ الذي حدث؟"، بل "ما الذي يمكن القيام به الآن؟"، يجب أن تحدث تغييرات ثورية، لا تدريجية، في التعليم والفكر العلمي، بثلاثة عناصر أساسية لتحقيق تقدم.


شريف صدقي
شريف صدقي

الأول: هو بناء الموارد البشرية من خلال استعادة التعلّم، وضمان المشاركة الفعّالة للمرأة في المجتمع، وإصلاح التعليم.

الثاني: هو ضرورة إصلاح الدستور الوطني؛ للسماح بحرية الفكر، ولتبسيط البيروقراطية وترشيدها، ولتطوير نظم تستند إلى الكفاءة، ووضع قوانين ذات مصداقية وقابلة للتنفيذ.

الثالث -وهو الأكثر واقعية-: وجوب ضمان الدستور تخصيص أكثر من 1٪ من الناتج المحلي الإجمالي في البلاد لصالح ميزانية البحث والتطوير. وفي ضوء الثورات الأخيرة في مصر وتونس وأماكن أخرى، فإن هذه التغييرات ممكنة.

من هذا المنظور، تبقى الثروة البشرية هي الهدف الأسمى. يحتاج العالم العربي إلى رعاية جيل جديد من المهنيين القادرين على التفكير الناقد والإبداعي، جيل مسلح بالمعرفة المعاصرة للعلوم والتكنولوجيا، وبالتخصصات الجديدة الناشئة في العلوم الفيزيائية والطبية والاجتماعية.

إن مثل هذا الكم من المعرفة سيعين على تحديد الحلول للمشاكل الأساسية التي تواجه المجتمع وتنفيذها. فالبحث في مجال الطاقات البديلة، والموارد المائية، أو تصميم الأدوية يمكن أن يحقِّق عددا كبيرا من الفوائد والمكافآت الاجتماعية؛ نتيجة النمو الاقتصادي للبلاد، والمشاركة في السوق العالمية.

يجب أن تبدأ التغييرات من جذور نظام التعليم، الذي يقوم على التلقين، ويركز على كمية المعلومات المقدمة للطلاب لا على نوعيتها. يجب استبدال هذا النظام بآخر قائم على الجدارة، يهدف إلى تشجيع التفكير الحر والإبداعي، وترافقه تجارب عملية.

ويحتاج مشهد تمويل البحوث وإدراك أهميتها إلى إصلاح أيضا. وقد ثبت أن العرف المتّبع في هذه الأيام -بالاعتماد على عدد المنشورات لتحديد المرشحين المؤهلين للترقية الأكاديمية- ذو أهمية ضئيلة، ويجب استبداله بإطار عملي لتحديد الإسهامات الأصلية والمبتكرة. أخيرا، يجب أن تكون هناك صلة قوية بين القطاعين الأكاديمي والصناعي؛ لتعظيم الفوائد المتبادلة المتوقَّعة بين البحوث الأساسية والمصالح الصناعية، على الصعيدين العالمي والمحلي.

لن تكون النهضة في العالم العربي ممكنة دون اعتراف حكومي حقيقي بالدور الحاسم للعلم في التنمية

في مصر، تم إعداد المشروع الوطني الرائد للنهضة العلمية "مدينة زويل للعلوم والتكنولوجيا" في عام 2011؛ ليتضمن هذه المفاهيم في التعليم والبحوث والتأثير الصناعي. ويجري تمويل هذا المشروع عن طريق تبرعات الشعب والحكومة المصرية. في قلب هذه المدينة توجد جامعة العلوم والتكنولوجيا، التي يتمثل دورها الرئيسي في اجتذاب الطلاب الموهوبين من جميع أنحاء البلاد، وتقديم مناهج أكاديمية فريدة من نوعها في مجالات العلوم والهندسة المتطورة.

تضم الذراع الرئيسية الثانية من المشروع معاهد بحوث يعمل فيها علماء عالميون، ويرتبون أولويات البحوث بما يتماشى مع المشاكل الوطنية الأساسية. هذه المعاهد مجهّزة بأحدث المعدات، وهي تمثل مجموعة واسعة من مجالات التخصص، بما في ذلك تكنولوجيا النانو والهندسة البيئية، والطاقة المتجددة، والفضاء وتكنولوجيا الاتصالات، وعلوم المواد والعلوم الطبية الحيوية، وفيزياء الأرض والكون.

أما المكوّن الرئيسي الثالث والأخير فهو "هرم التكنولوجيا"، وهو المسؤول عن إيصال نتائج البحوث إلى التطبيقات الصناعية. وهو مصمّم لتأسيس مؤسسات حاضنة وما يتفرع عنها من شركات، محميّة الملكية الفكرية، ولجذب الشركات الدولية الكبرى؛ لتشجيع وجود مناخ صحي لتبادل البحوث في مجال الصناعة.

إن فوائد مدينة زويل للعلوم والتكنولوجيا -محليا وعلى الساحة العالمية- عديدة. إننا نعتقد أن هذا المبادرة الفريدة ثلاثية الأسس، إذا تم نقلها إلى أجزاء أخرى من العالم العربي؛ فستغير مشهد التعليم والبحث العلمي، وستتمكن -من خلال المشاركة الدولية المهمة- من تحقيق فرص جديدة للشباب في الدول العربية.

لن تكون النهضة في العالم العربي ممكنة دون توفّر اعتراف حكومي حقيقي بالدور الحاسم للعلوم في التقدم، وسياسات توفر التمويل المناسب للبحوث الأساسية، وإصلاح للنظم البيروقراطية الجامدة التي تعوق التقدم.

وإذا نجحت بتحقيق ذلك، ستتمكن الدول العربية من استعادة الثقة للمنافسة في العلوم الدولية اليوم والاقتصاد المُعولم. ومن المُرْضي أن نرى العديد من المراكز الجديدة للتعليم المتقدم والبحث والتطوير قيد الإنشاء في المنطقة.

وعلى الرغم من ذلك، فإن الهدف من المبادرة المصرية مختلف. إننا نقدم تحت مظلة واحدة وسطا للتعليم والبحث، ابتداء من مرحلة المدرسة فالجامعة، وصولا إلى مستويات متقدمة من التصنيع والعرض في السوق. قد تكون هذه هي الطريق لتنمية المجتمع علميا وثقافيا، ولإنمائه اقتصاديا، ولاستعادة دور العرب البارز في جميع أنحاء العالم.

doi:10.1038/nmiddleeast.2014.15