مقالات

تقرير مُسَرّب يشعل الخلاف بين مصر وإثيوبيا حول السدّ

نشرت بتاريخ 18 يوليو 2013

السياسات لا الأدلة العلمية تغذّي الخلاف المستمر بين مصر وإثيوبيا حول إنشاء سدّ النهضة الإثيوبي الكبير.

محمد يحيى


خارطة جوجل إيرث تظهر موقع بناء سد النهضة الإثيوبي الكبير في المرتفعات الإثيوبية.
خارطة جوجل إيرث تظهر موقع بناء سد النهضة الإثيوبي الكبير في المرتفعات الإثيوبية.

عندما حوّلت إثيوبيا جزءًا من مجرى نهر النيل الأزرق في نهاية مايو 2013 لكي تشرع في بناء ما سيصبح أكبر سدّ لتوليد الطاقة الكهرومائية في أفريقيا، أثارت غضب الحكومة المصرية السابقة المعزولة ، والتي كانت قلقة حيال إقامة السدّ الذي سينقص من إمدادات مصر المائية.

النيل الأزرق هو أحد الرافدين الأساسيين اللذين يغذيان نهر النيل، الذي يزوّد 97٪ من سكان مصر بالماء. وتسعى إثيوبيا إلى إلغاء اتفاقية 1929 بين مصر والسودان التي توسطت فيها بريطانيا إبان الاحتلال البريطاني، والتي تعطي بموجبها 90٪ من مياه النيل للبلدين، وتمنح مصر الحق في الاعتراض على بناء السدود في دول المنبع.

في مايو 2012، عيّنت إثيوبيا والسودان ومصر لجنة من الخبراء، ضمّت خبيرين عن كل دولة، إلى جانب أربعة خبراء من البلدان غير الأعضاء، لتقييم الأثر البيئي للسدّ على المنطقة. قدّم الفريق تقريره في 1 يونيو. وعلى الرغم من أن التقرير لم ينشر بعد، إلا أن كل حكومة سرّبت تفاصيل عن النتائج التي توصل إليها فريق الخبراء.

في حين أصدرت وزارة المياه والطاقة الإثيوبية بيانا صحفيا يفيد بأن التقرير يوصي ببناء السدّ، أعلنت وكالة الأنباء المصرية الحكومية أن الأدلة العلمية التي استشهد بها نظراؤهم الإثيوبيون إما أنها تفتقر إلى التفاصيل الكافية أو أنها قديمة.

"في الوقت الذي أعلنت فيه إثيوبيا أن السدّ سيجلب العديد من التأثيرات المفيدة، ولن يكون له أي تأثيرات سلبية على دول المصبّ، فإن التقرير النهائي قد شدّد على أن الدراسات والتصاميم التي قدمتها إثيوبيا احتوت على العديد من الأخطاء المنهجية التي استخدمت أثناء إعدادها. بالإضافة إلى ذلك، فإن بعض هذه الدراسات بحاجة إلى تحديث في ضوء المعلومات المستجدّة التي جمعت نتيجة عمل المختبر والعمل الميداني"، حسب البيان الصادر عن مكتب الرئاسة في مصر.

مصادر القلق

تُبنى السدود اليوم بمزيد من الاهتمام والحرص على أسباب المعيشة والأوساط البيئية.

"لم يكن هناك ما يكفي من الدراسات الجيولوجية. ويتمثل الخطر في إمكانية إحداث السدّ لمناطق زلزالية"، حسب الناصر عبد الوهاب، المطوّر الإقليمي السابق لبرمجيات نظام دعم اتخاذ القرار لحوض النيل، أحد أسس مبادرة حوض النيل، وهي تشكيل مشترك بين دول حوض النيل لمعالجة القضايا العابرة للحدود فيما يتعلق بالنهر.

يقول عبد الوهاب: إن بناء السد سيؤدي إلى إنشاء بحيرة من صنع الإنسان في الجبال، ستحتوي على نحو 74 مليار طن من المياه. هذه البحيرة يمكن أن تسبب حدوث نشاط زلزالي قد يؤدي بدوره إلى انهيار السد وتدفق كميات هائلة من المياه. "وقد استخدم الإثيوبيون أيضا البيانات المتفائلة عند النظر في إمكانية هطول الأمطار بدلا من استخدام سيناريو أسوأ الحالات".

عبد الوهاب -الذي لم يكن عضوا في لجنة الخبراء، ولكنه عمل مع فريق إثيوبي مصري مشترك لوضع أول نظام لدعم قرارات إدارة المياه في بلدان حوض النيل- يدّعي أن التقرير لم يتضمن أي دراسات بيئية. "وهذا الأمر يعد نقطة سلبية للغاية؛ فالسدود تُبنى اليوم بمزيد من الاهتمام والحرص على أسباب المعيشة والأوساط البيئية"، حسب تعبيره.

يقول أميد تيلاهون -الباحث في إدارة الموارد الطبيعية في المعهد الدولي لبحوث المحاصيل في المناطق الاستوائية شبه القاحلة (ICRISAT)-: إن تصميم السد لن يكون العامل الرئيسي في تأثيره على البيئة وحياة الناس. "بل إن الأمر يتعلق أيضا بالطريقة التي سيُدار السدّ بها وطريقة تنظيم المياه. الأمر مرتبط بحماية مجمعات المياه العلوية من السد؛ لزيادة حجم المياه المجمعة، والحد من تراكم الطمي، وتحسين الخدمات البيئية ككل".

عند اكتماله، سيكون السدّ أحد أعلى السدود ارتفاعا في العالم (145 مترا) وسينتج 6.000 ميجاوات من الكهرباء، أي ما يعادل إنتاج ست محطات للطاقة النووية. يقول أميد -الذي لم يكن ضمن لجنة الخبراء، ولكنه أمضى السنوات الأربع الماضية في دراسة استخدام المياه في أفريقيا-: إن تصميم السد وارتفاعه يعني أن الخزان سيكون عميقا وليس واسعا لخفض التبخّر، وسيكون من شأن المناخ البارد الرطب في المرتفعات الإثيوبية المساهمة في المزيد من خفض التبخر، وبالتالي التقليل من كمية المياه المفقودة من السدّ.

توافق الحكومات الثلاث على أن السد سيقلل من تدفق المياه لدول المصب أثناء تهيئة الخزان. ويعتمد إنقاص تدفق المياه على السرعة التي ستقرر إثيوبيا ملء السدّ بها. وتهدف الخطة الأصلية إلى ملء الخزان في ثلاث سنوات، ولكن رئيس الوزراء الإثيوبي هايلي ماريام ديسالين قال إن حكومته أبدت استعدادها لملء الخزان خلال ست سنوات؛ مراعاة لاحتياجات دول المصبّ.

وفقا لوثيقة صادرة عن الحكومة المصرية فإن أعضاء فريق الخبراء الإثيوبيين قد فشلوا في تقديم أي بحث يناقش الأثر المحتمل على دول المصبّ في حال انهيار السد.

السياسة ضد العلم

أسلوب الخطاب الحالي لن يفيد كثيرا للتوصل إلى أفضل رؤية مشتركة للدول الثلاث.

يقول عبد الوهاب إنه محبط بسبب تجاهل حكومتي مصر وإثيوبيا للأدلة العلمية والمعلومات التقنية. مضيفا: "يحتوي [نظام دعم اتخاذ القرار لحوض النيل] على ما يلزم من أدوات المحاكاة الحاسوبية لتصميم مشاريع السدود واختبارها قبل بنائها. ومع ذلك، فإن البلدين لم يستخدماه، ويقدمان الآن مثل هذه الدراسات الضعيفة المشفوعة بحجج علمية ضحلة".

عندما قدّم الفريق نتائج بحثه إلى الحكومات الثلاث وراء الأبواب المغلقة، أشار إلى الحاجة لمزيد من البحث، ولم يكن من المفترض إعلان هذه النتائج قبل التوصل إلى اتفاق. ومع ذلك، فقد سرّبت كل من إثيوبيا ومصر بعض التفاصيل، مما دفع بعض السياسيين المصريين إلى اقتراح إمكانية اللجوء إلى التدخل العسكري لمنع بناء السد.

ويرى كل من عبد الوهاب وأميد أن التصريحات السياسية الأخيرة بين البلدين لن تجلب حلاًّ للخلاف حول بناء السدّ. وينبغي بدلا من ذلك، أن يوجد بينهما تعاون في الوجوه العلمية والتقنية المتعلقة ببناء السدّ، كالتصميم الذي سيُستخدم، والآثار البيئية التي قد تترتب على بنائه.

"إن قلقي يتركز في أن أسلوب الخطاب الحالي لن يفيد كثيرا للتوصل إلى أفضل رؤية مشتركة للدول الثلاث"، استنادا إلى أميد، الذي يكمل: "ونظرا إلى خبرتها في السد العالي في أسوان، يمكن للحكومة المصرية أن تقوم بدور محوري في مساعدة المهندسين الإثيوبيين لضمان الجودة الرفيعة لبناء السد وإدارته بشكل عام، وأنه لن يؤثر سلبا على مصر".

"ما لم ينظر البلدان إلى بناء السدّ من زاوية تقنية لا سياسية، فإني لا أرى أي حل للمشكلة؛ لأن السياسيين سيواصلون إصرارهم على تنحية الجانب العلمي للمشكلة"، يضيف عبد الوهاب.

doi:10.1038/nmiddleeast.2013.104