أخبار

باحثون يسلطون الضوء على مخاطر تفشي وباء الإيدز في العالم العربي

نشرت بتاريخ 17 أغسطس 2011

رغم أنه يُعتقد ـ عادةً ـ بأن انتشار فيروس نقص المناعة البشرية المكتسبة (HIV) المسبب للإيدز محدود في العالم العربي، فقد بدأت تظهر حالات تفشي للوباء في بلدان عدة في أوساط فئة الرجال المهمشة، التي يمارس أفرادها الجنس مع بعضهم البعض.

محمد يحيى


ينتشر فيروس نقص المناعة المكتسبة (في الصورة) بسرعة في منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا بين الفئات الموصومة.
ينتشر فيروس نقص المناعة المكتسبة (في الصورة) بسرعة في منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا بين الفئات الموصومة.
photodisc / Getty Images

حذرت دراسة جديدة من أن فيروس نقص المناعة البشرية (HIV) أصبح بالفعل وباءً، حيث توجد بؤر لتفشي فيروس الإيدز في فئة الرجال الذين يمارسون الجنس مع بعضهم البعض (MSM) في عدة دول عربية؛ ويصيب أكثر من 5٪ منهم في مصر والسودان وتونس.

يمثل البحث ـ الذي نشرته مجلة (PLoS Medicine) الطبية ـ أول دراسة منهجية حول تِبْيَان معدل فيروس نقص المناعة البشرية المكتسبة/الإيدز داخل مجتمع الرجال المثليين في الشرق الأوسط وشمال أفريقيا. وتُعتَبَر كلٌّ من الممارسات التي تؤدي إلى الإصابة بفيروس نقص المناعة البشرية المكتسبة/ الإيدز، والعلاقات الجنسية المثلية من المحرمات في العالم العربي؛ وبالكاد تجري معالجتها؛ وهو ما تسبب في وجود ثغرة فعلية في الأدبيات العلمية حول هذه المنطقة.

اعترضت غناء ممتاز، كبيرة أساتذة الأوبئة في كلية طب وايل كورنيل في قطر (WCMC-Q) ، التي أشرفت على هذا البحث، على الرأي القائل بأن هناك سوء فهم واسعًا حول هذا الاستنتاج. وقالت إنه "في المنطقة التي يُنظر إليها ـ في كثير من الأحيان ـ على أنها الثقب الأسود في الخريطة العالمية لفيروس نقص المناعة البشرية المكتسبة، هناك مجموعة كبيرة ومتنامية من الأدلة بشأن فيروس نقص المناعة البشرية ومجتمع المثليين من الرجال".

وأضافت: "أثارَ الاعتقاد الخاطئ والشائع بأنه ليس هناك أية بيانات ذات مغزى بشأن فيروس نقص المناعة المكتسبة في المنطقة جدلاً حادًّا فيما يتعلق بوضع هذا الوباء، ودور السياق الاجتماعي الثقافي المحافظ في تشكيل هذا الوباء في منطقة الشرق الأوسط".

وباء متركز

أعاني من فيروس نقص المناعة البشرية منذ ثلاث سنوات حتى الآن. وإذا كان هناك شخص ما أعطاني معلومات في الماضي، فربما كانت الأمور مختلفة اليوم.

وبحسب الدراسة، فإن معدل انتشار العدوى بفيروس (HIV) بين المثليين جنسيًّا من الرجال في العالم العربي كان متدنيًا في الماضي.، لكن منذ عام 2003، ازداد معدل انتشار العدوى بهذا الفيروس في أوساط مجتمع مثليي الجنس الموصوم.

وأضافت ممتاز قائلة إن "منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا لم يعد من الممكن النظر إليها باعتبارها منطقة محصنة ضد وباء فيروس نقص المناعة البشرية المكتسبة".

وتوصلت الدراسة إلى أن مصر هي الدولة العربية الوحيدة التي قامت بالفعل بجولتين من مراقبة فيروس (HIV)، وهناك خطة لإجراء جولة مراقبة ثالثة في المستقبل. وقد أظهرت اختبارات أجريت على عينة من الرجال مثليي الجنس، شملت 789 شخصًا في القاهرة والإسكندرية والأقصر، أن معدل انتشار فيروس نقص المناعة البشرية المكتسبة/الإيدز بلغ 5.8 % .

وقال ماجد ربيع ـ الذي يعاني من (HIV)، وهو من مجتمع مثليي الجنس في مصر ـ: "توقعت وجود أرقام أعلى من ذلك، لكن ـ على الأقل ـ فقد أظهرت الدراسة التي أجريت في عام 2010 انخفاض نسبة انتشار (الفيروس)، مقابل تلك التي أجريت في عام 2006".

والسودان وتونس هما البلدان الأخريان اللتان توجد فيهما بؤر لتفشي فيروس الإيدز بين أفراد فئة مثليي الجنس من الرجال، بمعدلات انتشار بلغت 7.8٪ و 4.9٪ على التوالي.

أما الأردن ولبنان، فقد سُجِّلت في كلتا الدولتين معدلات منخفضة من تفشي الفيروس بنسبة 0.2٪، و3.7٪ على التوالي. وقالت ممتاز: "منهجية هذه الدراسات كانت سليمة، لكن هذه الأرقام ينبغي تفسيرها بعناية، لكونها ناتجة عن دراسة واحدة فقط في كل من هذه البلدان. وسيجري تقييم وضع هذا الوباء في هذه البلدان بطريقة أفضل بعد إنجاز جولتين على الأقل من المراقبة".

أما بالنسبة إلى دول عربية أخرى، مثل الجزائر وجيبوتي وليبيا والصومال ودول الخليج والأراضي الفلسطينية المحتلة، فلم تتوافر بشأنها أي دراسات مؤخرًا حول انتشار عدوى فيروس نقص المناعة البشرية المكتسبة؛ حتى يتسنى لفريق كلية طب وايل كورنيل في قطر الاستعانة بها. ولذا.. تظل هناك تفاصيل محدودة للغاية هناك عن معدل انتشار وباء نقص المناعة البشرية المكتسبة/الإيدز.

وتابعت ممتاز القول بأنه بالنسبة لبعض الدول الأخرى، مثل سوريا واليمن، فقد كان لديها مقاييس حديثة نسبيًّا من بيانات الاختبارات الخاصة بفيروس نقص المناعة المكتسبة، تشير إلى أن معدل الانتشار صفر، ولكن نوعية ومدى صحة تمثيل هذه المقاييس المبنية على النقاط بالنسبة لمعدل الانتشار لا تزال محدودة .

ورغم أن بعض الدراسات التي أجرتها ممتاز وزملاؤها نشرت في مجلات موثقة علميًّا، إلا أن العديد من الدراسات التي أجريت محليًّا ـ وبدعم من حكومات في منطقة الشرق الأوسط ـ لم تنشر نتائجها علناً على الإطلاق.

سلوك محفوف بالخطر


يقول أبو رداد:
يقول أبو رداد: "نحن بحاجة إلى أن نتخذ خطوات متقدمة للتغلب على هذا الوباء، لا أن نتخلف عن السعي، ونتمنى لو أننا تحركنا مبكرًا".

ووفقا للدراسة، فإن هناك حوالي 2-3 ٪ من الرجال يقيمون علاقات جنسية مع رجال آخرين في منطقة الشرق الأوسط. وهذه النسبة مماثلة لمناطق أخرى من العالم. ويرتكب العديد من هؤلاء سلوكيات محفوفة بالمخاطر، تتعلق بالإصابة بفيروس نقص المناعة المكتسبة، مثل انخفاض معدلات استخدام الواقي الذكري، وممارسة الجنس مع رفقاء متعددين، وتناول مخدرات عن طريق الحقن، وأحيانا ينخرط هؤلاء في شبكات الإتجار في الجنس .

في معظم دول الشرق الأوسط، بلغ معدل استخدام الواقي الذكري بين مثليي الجنس من الرجال عموما أقل من 25٪، باستثناء لبنان وسلطنة عمان، وسجلت أدنى المعدلات في مصر. ورغم أن المعرفة العامة بالواقي الذكري مرتفعة نسبيًّا في مصر، إلا أن معرفة آثاره الوقائية كانت أقل بكثير.

وقال ربيع: "إن المشكلة لم تكن أبدًا في الحصول على واقيات رخيصة، بل إن معظم المثليين من الرجال يرفضون استخدامها، لأنهم يشعرون أنها تقلل من الشعور بالمتعة. وهناك عديد من الأشخاص الآخرين يشعرون بالحرج من الذهاب إلى الصيدلية أو إحدى المنظمات غير الحكومية لشرائها".

وذكر أكثر من 90٪ من الأفراد الذين يمارسون الجنس مع الرجال ـ ممن شملهم الاستطلاع في المنطقة ـ أنهم يمارسون الجنس مع العديد من الرفقاء، وفي وقت واحد في أغلب الأحيان. ويتراوح هذا العدد بين 4 إلى 14 رفيقا لكل رجل في الأشهر الستة الماضية، ويمكن أن يزيد هذا العدد أضعافا مضاعفة للمتورطين في تجارة الجنس. وقال ليث أبو رداد، الأستاذ المساعد في الصحة العامة في كلية طب وايل كورنيل في قطر: "إن هناك أدلة كبيرة ومتزايدة تشير إلى وجود تداخل بين السلوك المحفوف بالمخاطر بين الرجال الذين يمارسون الجنس مع نظرائهم من الرجال ومتعاطي المخدرات عن طريق الحقن". وأضاف قائلاً: "إن أكثر من 11% من مثليي الجنس من الرجال في مصر، و15% من هؤلاء في تونس ذكروا أنهم يتناولون المخدرات عن طريق الحقن أيضًا". وأضاف أبورداد بأن "هذا التداخل بين مثليي الجنس من الرجال ومتعاطي المخدرات عن طريق الحقن هو أحد العوامل التي تسهم في تفشي وباء نقص المناعة البشرية المكتسبة بين مثليي الجنس من الرجال في المنطقة".

إجراءات وقائية

اذا واصلنا دفن رؤوسنا في الرمال، وتجاهُل هذه الفئات المهمشة، فإن هذا الوباء سيتفجر؛ ليتحول من فئة سكانية محدودة إلى عامة السكان.

وحيث إن مجتمع مثليي الجنس من الرجال يتعرض للاضطهاد في أنحاء العالم العربي، نظرًا إلى الخلفيات الثقافية والدينية، فإنه يصبح من الصعب ـ في أغلب الأحيان ـ على وزارات الصحة في منطقة الشرق الأوسط علاج مثليي الجنس من الرجال".

وأوضحت ممتاز أنه "في ظل المناخ الاجتماعي والثقافي والقانوني الحالي، يجب على دول المنطقة التوصل إلى آليات مبتكرة لمعالجة المشاكل المتزايدة لفيروس نقص المناعة البشرية المكتسبة بين مثليي الجنس من الرجال. وإحدى الآليات الأكثر نجاحًا كانت في توفير خدمات وقائية لمثليي الجنس من الرجال، من خلال المنظمات غير الحكومية التي غالبًا ما تحظى بدعم من قبل الحكومات".

ورأى ربيع ضرورة توسيع برامج التوعية؛ لتتناسب مع عدد السكان الذين يعانون من إصابتهم بفيروس نقص المناعة البشرية المكتسبة/ الإيدز، وأنه ينبغي أن تكون هناك وسائل، من شأنها الحد من الضرر، بغض النظر عن المحرمات ضد الفيروس نفسه، أو مجتمع الرجال الذين يمارسون الجنس مع بعضهم البعض. وقال ربيع: "أعاني من فيروس نقص المناعة البشرية المكتسبة منذ ثلاث سنوات . وإذا كان هناك شخص ما أعطاني معلومات في الماضي تتعلق بهذا الأمر، فربما أصبحت الأمور مختلفة اليوم".

وتابع: "الحقيقة هي أنه، سواء أعطيتني الواقي الذكري، أم لا، فإنني سأواصل ممارسة الجنس مع رجال آخرين. وسواء أعطيتني معلومات أم لا، فإنني سأواصل (ممارسة الجنس)، لأن هذه غريزتي، وأنا أعلم أن ما أفعله يتنافى مع الدين، لكن لا يوجد شيء يمكنني القيام به حيال ذلك".

وقالت ممتاز: "إن العديد من الحكومات العربية، مثل الحكومة اللبنانية والمغربية، زادت ـ في الآونة الأخيرة ـ من قدرتها على التعامل مع فيروس نقص المناعة البشرية المكتسبة/الإيدز في المجموعات الموصومة المعرضة للخطر، مثل مثليي الجنس من الرجال، من خلال دعم برامج المنظمات غير الحكومية؛ وبالتالي تفادي الحساسيات السياسية والثقافية التي من شأنها أن تنشأ في ظل وجود محاولات أكثر وضوحًا". وأشارت إلى أن "مثل هذه البرامج تشمل تقديم مجموعة واسعة من خدمات الوقاية، مثل المشورة، والاختبار، وتوفير الواقي الذكري والمواد الزيتية المخففة للاحتكاك، والتوعية والتعليم عن طريق الأقران، وغيرها".

وأكد أبورداد أنه "ليس هناك من مفر من أن بلدان المنطقة بحاجة إلى توسيع نطاق أنظمة المراقبة لفيروس نقص المناعة البشرية المكتسبة، وتوفير خدمات الوقاية من فيروس نقص المناعة البشرية المكتسبة، وإجراء الاختبارات والعلاج. نحن بحاجة إلى أن نتخذ خطوات متقدمة للتغلب على هذا الوباء، لا أن نتخلف عن السعي، ونتمنى لو أننا تحركنا مبكرا".

وقال ربيع: "كبداية، نحن بحاجة إلى أن نقر بوجود هذه الفئة، وهذه هي أول خطوة للسيطرة على الوباء".

وفي العالم العربي يُلحَظ أن كثيرًا من الرجال الذين يمارسون الجنس مع الرجال يضطرون للزواج، تماشيًا مع التقاليد الاجتماعية. وهذا الزواج قد يعرض زوجات هؤلاء الرجال مثليي الجنس لمخاطر متزايدة للإصابة بفيروس نقص المناعة المكتسبة.

وقالت ممتاز: "هناك نطاق ضيق من الفرص لمنع مزيد من انتشار الأوبئة. وينبغي على صناع القرار في منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا التصدي لهذا التحدي الصحي المتزايد من منظور الصحة العامة. ومن شأن هذا أيضًا أن يحد من احتمال انتقال عدوى فيروس نقص المناعة البشرية المكتسبة لمجموعات سكانية أخرى" .

وأضافت: "إذا واصلنا دفن رؤوسنا في الرمال، وتجاهُل هذه الفئات المهمشة؛ فإن هذا الوباء سيتفجر؛ ليتحول من فئة سكانية محدودة إلى عامة السكان. ووفقاً لواقعنا الاجتماعي والاقتصادي، فإن العديد من مثليي الجنس من الرجال سيتزوجون؛ وبهذا.. قد ينقلون الفيروس إلى زوجاتهم".

وأكد أبو رداد أنه "في سياق منطقة الشرق الأوسط ، نلحظ أنه في معظم الأحيان يصاب فقط رفيق الجنس المباشر للعدوى، وعادة تتوقف سلسلة العدوى عند هذه النقطة، حيث إن المرأة في منطقة الشرق الأوسط ـ في أغلب الأحيان ـ لا تنخرط في ممارسة الجنس خارج إطار الزواج". وأضاف: "ومن غير المرجح أن مثل هذا الانتقال للعدوى من مثليي الجنس من الرجال إلى رفقائهم سيُبْقِى على انتقال فيروس نقص المناعة البشرية المكتسبة بين الأشخاص متبايني الجنس بين السكان عمومًا، لكنه يمكن أن يُبْقِى على سلاسل انتقال العدوى في المجموعات الأكثر عرضة للخطورة، مثل متعاطي المخدرات بالحقن، والعاملات في مجال الجنس من النساء وزبائنهن".

doi:10.1038/nmiddleeast.2011.105


  1. Mumtaz, G. et al. Are HIV Epidemics among Men Who Have Sex with Men Emerging in the Middle East and North Africa?: A Systematic Review and Data Synthesis. PLoS Med 8(8): e1000444 (2011). doi: 10.1371/journal.pmed.1000444