مقالات

غزة تصدر برامج وحلولاً معلوماتية إلى الخارج رغم الحصار

نشرت بتاريخ 29 أغسطس 2010

إذا كانت الحاجة أُم الاختراع، فهذا القول السائر يتجلى في أفضل تطبيقاته في قطاع غزة، بفضل الانترنت والحوسبة السحابية.

صفاء كنج

يتعين على هذا الشريط الساحلي الضيق أن يجد متنفساً للحياة رغم اقتصاده المدمر وافتقاره للبنية التحتية المعلوماتية والحصار المستمر منذ عدة سنوات والذي يحرم شركات الاتصالات والمعلوماتية من استيراد التجهيزات الضرورية، بل ويمنع حتى المواد الأولية من الدخول إلى قطاع غزة. ومع ذلك تمكنت شركات تطوير البرمجيات وتكنولوجيا المعلومات والاتصالات من الالتفاف على الحصار الإسرائيلي وإغلاق مصر لمعبر رفح وتصدير خدماتهم إلى دول مجاورة أكثر ثراء ونمو.

"كانت المرافق بدائية، والتكنولوجيا باهظة ومواردنا محدودة جداً عندما بدأنا، كان الأمر صعباً للغاية." بهذه الكلمات يشرح خالد أبو حسنة، المدير العام لشركة فيوجن (Fusion) بداية تأسيس شركته المتخصصة في تكنولوجيا المعلومات والاتصالات في سنة 2002.

"عندما فشلنا في جذب المستثمرين الذين يخشون تمويل مشاريع في غزة، كان علينا أن نعمل على تصدير خدماتنا لكي يُكتب لنا البقاء."

يفيد تقرير نشرته مؤسسة بورتلاند تراست (Portland Trust) غير الحكومية أن قطاع تكنولوجيا المعلومات والاتصالات أسهم بنحو 5% من إجمالي الناتج المحلي لمجمل الأراضي الفلسطينية في العام 2008.

ويشرح خالد أبو حسنة أن في قطاع غزة نحو ثلاثين شركة ناشطة في مجال تكنولوجيا المعلومات والاتصالات، وتوظف مئات الأشخاص ومعظمهم خريجي الجامعات المحلية مثل الجامعة الإسلامية وبعضهم درس في الأردن ومصر وليبيا. ويضيف أن "موظفينا يعتمدون على الانترنت ليتعلموا ويكتسبوا مهارات ويدرّبوا أنفسهم."

وعلى الرغم من مواردها المحدودة وظروف العمل القاسية بالنسبة لأي شركة، نجحت فيوجن في تطوير شبكة لاسلكية للربط بين 250 مدرسة تديرها وكالة الأنروا لإغاثة اللاجئين الفلسطينيين التابعة للأمم المتحدة، ويدرس فيها 200 ألف طالب في مختلف أنحاء القطاع.

ويؤكد خالد أبو حسنة باعتزاز أن الشبكة "لم تصب بأي عطل وهي تعمل بشكل جيد ونقوم بتحديثها باستمرار منذ إنشائها قبل ثلاث سنوات."

ويضيف الشاب الحائز على إجازة في علوم الاتصالات من الجامعة الليبية في طرابلس، وعلى درجة الماجستير في إدارة الأعمال من جامعة الأزهر في غزة، "نحن نحتاج إلى 750 ألف دولار فقط لتركيب محطات واي-ماكس ونقاط اتصال لتوصيل كل منزل بسحابة الانترنت في القطاع"، حيث يعيش مليون ونصف مليون شخص داخل 360 كيلومترا مربعاً، في منطقة هي الأكثر اكتظاظاً في العالم.

وتقدم شركة فيوجن خدمات لشركات في السعودية ودبي ولبنان ولاتفيا وباكستان وحتى في إسرائيل.

نافذة على العالم

شبكة الانترنت والانترنت عبر الجوال والابتكارات المحلية في ازدهار حقيقي

يقول طارق أسليم، رئيس شركة الطارق للأنظمة والمشاريع المنتجة للبرمجيات أن"البرمجيات من الأمور النادرة التي نجحنا في تصديرها. لقد كان الانترنت وسيلتنا الوحيدة للتواصل مع العالم خلال السنوات الثلاث الماضية."

"في ظل هذه الظروف الصعبة، نحرص على أن تكون لدينا خطة طارئة لكل شىء. خلال الحرب الإسرائيلية على غزة (في ديسمبر 2008) نقلت مكاتب الشركة إلى منطقة أكثر أماناً نسبياً، وواصل 30% من الموظفين العمل على الرغم من القصف والقنابل. لم يكن بوسعنا أن نخسر عملائنا خارج قطاع غزة والذين بذلنا جهداً كبيراً لجذبهم".

نجح العاملون في شركات تكنولوجيا المعلومات والإتصالات في مواصلة توفير خدمة الانترنت من خلال عملهم من منازلهم خلال الحرب التي استمرت 22 يوماً، وخصوصاً في تمكين الصحفيين من تلقي وارسال الأخبار والمعلومات.

ويعيق الحصار حركة الناس من وإلى القطاع، والأمر صعب خصوصاً بالنسبة لرجال الأعمال غير القادرين على السفر لتوقيع العقود مع شركات خارج غزة. ويقول طارق أسليم "نضطر إلى الاستعانة بأشخاص في الخارج لمقابلة عملائنا، وهو أمر مكلف بالنسبة لنا". ويضيف "السنة الماضية، أضعت فرصة توقيع عقد مهم مع شركة النفط العمانية لأني منعت من السفر لتقديم عرض لبرنامج كانوا راغبين في شرائه."

ويحرص أسليم على توفير خطين مختلفين للانترنت تفادياً لأي انقطاع. ويقول أن شركته مثلها مثل باقي الشركات في غزة، تنفق ثلث مواردها على مولدات الكهرباء، حيث تصل الكهرباء العادية من شركة كهرباء غزة على فترات متناوبة من ثماني ساعات سواء بسبب الأعطال أو نقص الوقود.

ومع ذلك، تمكنت شركة الطارق (Al Tariq Systems & Projects) وخلال بضعة أشهر بعد الحرب من الوقوف على قدميها، ونجحت في بناء البوابة الإلكترونية لأول مؤتمر دولي للتعليم الالكتروني الذي نظم في السعودية وشارك فيه أكثر من 3000 شخص من مختلف أنحاء العالم في مايو 2009. وفي يناير من السنة الحالية، قدمت الشركة عرضاً ناجحاً لوزارة الإسكان العمانية لتحويل محفوظاتها إلى سجلات رقمية.

وتقدم الشركة التي توظف 34 شخصا خدمة الرسائل القصيرة "راسل" التي تتيح ارسال كميات كبيرة من الرسائل الهاتفية بالعربية، وتمكنت من توفير هذه الخدمة لوكالات أنباء وقنوات إخبارية وجامعات ومستشفيات في الإمارات العربية المتحدة ومصر وليبيا. وفي فبراير 2009، قامت الشركة بتطوير نظام الفواتير الرقمية لشركة مياه غزة.

انتشار متسارع لخدمة الانترنت

يؤكد المكتب الفلسطيني المركزي للإحصاءات أن ثلث المنازل في غزة والضفة الغربية متصلة بخدمة الانترنت. ويوضح خالد أبو حسنة أن "الاشتراك الشهري الذي يبلغ أكثر من 25 دولار أمريكي يعتبر باهظاً" بالنسبة لسكان القطاع الذين يعيش 70% منهم تحت خط الفقر، وفق الأرقام الرسمية.

ويضيف "نحن نعمل على توفير خدمة أسرع للإنترنت وبتكلفة أقل."

وفي "مدونة غوغل العربية" كتبت جيزيل هيسكوك، مديرة تطوير المشاريع الجديدة في أوروبا والشرق الأوسط وأفريقيا لدى المجموعة العملاقة بعد زيارتها لغزة في يونيو الماضي، إنه "على الرغم من أن المعدات المستخدمة مثل أجهزة الـADSL وشبكات الـWimax والنقاط اللاسلكية مازالت محدودة في قطاع غزة إلا أن شبكة الانترنت والانترنت عبر الجوال والابتكارات المحلية في ازدهار حقيقي."

في 16 يوليو، أعلنت الهيئة الفرنسية للتنمية عن تخصيص 650 ألف دولار لتطوير قطاع تكنولوجيا الاتصالات والمعلومات في غزة من خلال تمويل المشاريع وبرامج التدريب وبناء القدرات ونقل المعرفة.

وتخطط شركة فيوجن لاستخدام المساعدات التي ستحصل عليها في هذا الإطار لتطوير خدمة تحميل الفيديو عبر الانترنت للصحفيين، ومبادرة "غزة فون" التي ستوفر اتصالات هاتفية بسعر معقول عبر الانترنت لعدد كبير من سكان الدول العربية والأجنبية، وخصوصاً لسكان القطاع الذين يشكل الهاتف والانترنت وسيلتهم الوحيدة للتواصل مع العالم.

doi:10.1038/nmiddleeast.2010.194